بدأت على طريقة الأفلام البوليسية

رواية تشيللو صنعت من الإحباط مادة للتشويق والمتعة

تصغير
تكبير

على طريقة الأفلام البوليسية بدأت رواية «تشيللو».. مات رمز الحلم بالشهرة والخلود. انتحر ليوناردو بازيني الذي أصبح عقدة الرواية، وسيرته مفتاح نهايتها.

المختلف في رواية تركي آل الشيخ أن حل غموض البداية، وإن شئت، المشهد الأول، لم يكن بتحقيق جنائي، ولا رواية شهود، أو سرد تقليدي. كان بالخيال، المستند الى عبارة دفاقة، وجميلة.

اللقطة الأولى كانت في مدينة «كريمونا» الإيطالية الساحرة. لكن الرواية بدأت من الرياض مروراً بالعلا وصولاً إلى نيويورك. وبازيني صار ناصر. الخيال فيها ذو نكهة شرقية عربية، إنه مس من الخيال، خيال أصابه مس. لكن الكاتب لم يقرأ المعوذتين، ولا أحرق البخور، وضرب دفوف الطار والزار. بل استخدم رقية كتبت من الوساوس، والأحلام المحبطة والإرهاق النفسي، وخلط الإحباط بالاكتئاب والفشل، وصنع نصاً مشوقاً وغامضا ًومرعباً أحياناً، «لامعا كاللهفة»، لا يشبه غيره.

الرواية قائمة على صراع، لكنه معنوي. صراع مع الفشل، والوساوس لكن أبرز «شخوص» الصراع المعنوي هو الإحباط الذي صار مثيراً ومسلياً.

تشيللو احتفت بالإحباط. حتى الأحلام في هذه الرواية صارت مجرد «إحباطات في الطريق إليك»! رسم الكاتب شخصيات الرواية بعناية. لكنه لم يبذل جهداً في تعريفها وتصوير ملامحها للقارئ، كما يفعل معظم الروائيين، بل ترك لغتها وتصرفاتها ترسم ملامحها على نحو مثير للإعجاب.

لم يتدخل في مصائر الشخصيات، ترك الأحداث تصنع أقدارها، وموقعها على خشبة الرواية. آلة التشيللو صارت إحدى هذه الشخصيات، وهي نافست بطل الرواية، وكادت تخطف منه الضوء.

التشيللو صارت شخصية وعقدة في آن. لم يقتصر الخيال في الرواية على مسار الأحداث، وتصاعدها، كان الخيال واضحاً حتى في حوار أبطال الرواية، وترابط أحداثها، والانتقال بين فصولها كأنك أمام جدول ماء ينساب على أرض سهلة.

اختيار آلة التشيللو لصنع عقدة الحدث كان جزءاً من الخيال الذي طبع الرواية. وهي آلة يعتقد بعضنا، حين يسمعها، أنها تتكلم، ويليق بها أن تكون شخصية في رواية، ومستودع سرها، وحبكتها الغامضة.

تشابك الحاضر مع الماضي في أحداث تشيللو، على نحو جعل فصول الرواية السبعة كأنها تنساب في زمن واحد، رغم البعد الزمني الشاسع بين أحداث وتفرقها بين أزمنة، وقارات ومدن.

كتب تركي آل الشيخ رواية تشيللو كأنه يكتب «سيناريو» فيلم سينمائي، بداية كل فصل تشبه لقطات السينما، والخروج من مشهد إلى آخر كان حالة سينمائية بامتياز.

وإذا كانت الرواية العربية كسبت كاتباً مختلفاً، فالسينما حظيت بكاتب يشبه السينمائيين الكبار.

كل من يقرأ رواية تشيللو سيجد أن شخصية تركي آل الشيخ تطل من بين سطورها وعباراتها، لئلا أقول إن بطل الرواية ناصر، يشبه أبو ناصر!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي