تخرّجت في الجامعة، وحصلت على أعلى الشهادات وتوظّفت بأفضل الوظائف، وافتخرت بنفسك وكنت مصدر الفخر لأهلك ولأحبابك. ثم ماذا؟ هل ستظل خريج الجامعة العريقة مع مرتبة الشرف؟ متمسكاً بحدثٍ انتهى ولابد من تطويره؟
هذا ما يفعله الكثير مع الأسف، وهو التوقف في الحياة بعد أداء المهام المتعارف عليها، كزواج أو شهادة أو وظيفة أو أيّ إنجاز آخر، فنجد مّنْ يتزوج يهمل نفسه ظناً منه أن الزواج كهدف تحقق، وهو تحقق بالفعل ولكن ماذا عن استمراريته؟ فلدينا إحداهن تشتكي من زوجها الذي تغيّر عليها، وعند مناقشتها بعلاقتها مع زوجها نجدها هي من تغيرت أولاً لأنها أهملت جمالها الذي شده لها، ورشاقتها التي كانت تميزها، واهتمامها الذي كان يُسحره ولأننا كبشر نظن أن الاستمرار أمر حتمي يقع غالبيتنا في فخ النهايات غير المتوقعة والمفاجآت التي لا موعد لها ولا مرحب فيها.
كل ذلك لأننا وثقنا بما لدينا غير آبهين بالاهتمام به وتطويره على الدوام، ولأن استمرار الأشياء في الحياة وديمومتها موقتة، فلا شيء دائماً على الدوام، يعتمد على تطورك ونموك المستمر، فأنت الآن وأنت تقرأ هذه المقالة ينمو عقلك بفكرة أو تولد معه فكرة للتو. لا شيء يمر عليك في يومك. لا يؤثر فيك بالسلب أو الإيجاب، أي إما بالتطور أو التدهور، إما أن يجعلك تنمو أو يساهم في أنك تموت.
وهذا يعتمد بشكل أولي ومهم على (ماذا بعد؟) ماذا بعد الوظيفة؟ ماذا بعد هذا الانجاز؟ كيف أتعلم أشياء جديدة؟ ماذا أقدم لنفسي؟ كيف أصقل وأطوّر قدراتي؟ وهذه ليست دعوة للركض خلف الإنجازات وإرهاق النفس والجسد بتحقيق الأشياء وإهمال الحالة النفسية، ولكنه دعوة للتطوير الفكري والنمو العقلي والازدهار المعرفي. حتى لا تكون أسير الزهايمر يوماً أو واقعاً في شباكه في أحد الايام، فالعقل إن لم يتم استخدامه أو استثماره لن يعمل معك بل سيكون ضدك، ولن يرسل لك الدعم بل سيدمرك أكثر. فإهمال الجسد والعقل أشد أثراً من إهمال أي شيء آخر، لذلك لا تكتفي في الحياة بما حققت وتقف عند نقطة إنجازك وتعلن أنك وصلت لكل شيء، فمهما حققت هناك الكثير لتقدم لنفسك، فحاول، عش ما يمكن عيشه ما دمت على قيد الحياة وتعلم ما يمكن تعلمه ما دمت تستطيع التعلم وخض ما تستطيع خوضه ما دمت تملك الإرادة في ذلك.
وتذكر دائماً، لا يهم ما قدمت بقدر ما يهم ماذا ستقدم أكثر لنفسك.
وخذ القاعدة الحياتية التالية:
1 - عش كأنك طالب علم في الحياة
2 - استمتع وكأنك طفل يتعرّف على العالم
3 - صادق وكوّن علاقات وكأنك تريد ان تصنع لك جمهوراً
4 - أحبَ الآخرين وتمنَ لهم الخير وكأنه لك
5 - اعرف ان قانون الحياة لا يعرف الوقوف، إما تطور أو تدهور.
فلا تجعل التدهور يحملك لأسفل ما دمت قادراً على الصعود لأعلى.