رئيس «التيار الوطني الحر» حَشَرَ نفسَه في الزاوية
تَحالُف «حزب الله»- باسيل من الصُداع إلى.. التصدُّع
تَخْضَعُ العلاقةُ «المهتزّةُ» بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» برئاسة جبران باسيل لمعاينةٍ حثيثة في ضوء ما تَتَعرّض له من إختباراتٍ تضع تحالفَهما منذ العام 2006 على المحكّ، وهما اللذان كانا أمسكا بـ «الكلمة الفصل» في لبنان مع إحكام الحزب قبضته على الإمرة الإستراتيجية في البلاد وتَحَكُّم «التيار» بالسلطة مع وجود الرئيس (السابق) ميشال عون في سدة المسؤولية.
فالخلافُ المُسْتَحْكِمُ بين «حزب الله» وفريق عون تحوّل «حَدَثاً سياسياً» في بيروت منذ حلول إستحقاقِ الإنتخابات الرئاسية وإفتراقهما حيال إسم المرشح لـ «الكرسي الأول» في البلاد، ومن ثم إنتكاسة علاقتهما في ضوء مشاركة «حزب الله» في جلسةٍ لحكومة تصريف الأعمال (في ظل الشغور في الرئاسة) إعتبرَها «التيار الوطني» غير شرعية وغير دستورية.
ورغم الأزمات الهائلة التي يئنّ تحت وطأتها السوادُ الأعظم من اللبنانيين، إرتفعتْ وتيرةُ التكهناتِ حيال مستقبل العلاقة بين «حزب الله» و«التيار الوطني» بعدما قرَّر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي دعوة مجلس الوزراء لجلسة جديدة غداً الأربعاء يتصدّر جدولُ أعمال بنودها السبعة ملف الكهرباء وقرّر «حزب الله» المشاركة فيها لإمرار بند الكهرباء ومن ثم الإنسحاب.
وسريعاً إنتقلتْ «العدسةُ» إلى ما سيكون عليه موقف باسيل مع إنعقاد الجلسة بمشاركة «حزب الله»، وسط تَرَقُّبٍ لحركة الخطوط المقطوعة بين الحزب و«التيار» وما إذا كان لقاءٌ سيُعقد بين باسيل ورئيس وحدة الإرتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا في محاولةٍ لسكْب مياه باردة على الخلاف «المشتعل» بين الجانبين.
ومن غير المستبعد أن يُطْلِقَ «حزب الله» المزيدَ من الإشارات المرتبطة بما آلت إليه العلاقة مع «التيار» ومستقبلها بعدما كان أعلن أمينه العام السيد حسن نصرالله عدم رغبةِ حزبه في سحْب يده من يد «التيار» تاركاً لباسيل تحديد خياره في هذا الشأن، وداعياً لمناقشة العلاقة بينهما وما أصابها من إختلالٍ خلْف الأبواب المقفلة.
ولبّ الخلاف الأساسي بين الطرفين هو إنتخابات رئاسة الجمهورية. فـ«حزب الله» يريد إقناع «التيار الوطني» بأحد مرشحيه للرئاسة، وهو الأوفر حظاً حالياً للترشيح وليس للإنتخاب، رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية بتزكيةٍ من رئيس البرلمان نبيه بري. لكن الحزب لم يعلن تبنّي فرنجية رسمياً وكرّر مراراً على لسان قادته أن لا مرشّح له وأنه يدعو إلى الحوار حول شخصيةٍ توافقية.
يرفض باسيل حُكْماً ترشيح فرنجية، وهو إستفاد من زيارةٍ له إلى باريس في وقت سابق لتسريبِ تسجيلٍ صوتي على نحو متعمّد حول إعتراضه على هذا الترشيح وأسبابه، وكرّر ذلك علانية في حملةٍ إعلاميةٍ مُمَنْهَجَة، بعدما إعتُبر تسريبُه الكلامَ من باريس بمثابة ردٍّ مباشر وعلني على «حزب الله» الذي لم يَعْتَدْ منه ذلك في العلاقة بينهما. كما يرفض رئيس التيار ترشيحَ قائد الجيش العماد جوزف عون بعدما قيل إن الحزب لا يمانع وصولَه إلى الرئاسة، لكن المعركةَ اليوم تكاد تكون محصورة بالوقوف ضد فرنجية.
ووسط إستمرار جمْر هذا الخلاف تحت رماد العلاقة بين الطرفين، كانت إنفجرت قضية إنعقاد جلسة لحكومة تصريف الأعمال في 5 ديسمبر الماضي. وحينها إعتبر باسيل أن وفيق صفا أبلغ إليه أن الحزب لن يُشارِكَ في الجلسة بعدما حدّد مجلس النواب الضرورات التي تحتّم إنعقادها بموافقة جميع مكوّناتها، في حين أن الحزب أكد أنه لم يبلغ باسيل بهذا الموقف.
لم يُثِرْ إنعقادُ جلسةِ مجلس الوزراء يومَها غضبَ «التيار الوطني» فحسب، بل قوبل بتحفّظٍ من أطراف مسيحية أخرى وكذلك الكنيسة المارونية التي لم ترَ داعياً لدعوة ميقاتي للجلسة. وساد الإعتقادُ يومَها أن «حزب الله» الذي حاول إستيعاب غضب حليفه المسيحي لن يلبّي أي دعوةٍ ثانية لميقاتي، كي لا يزيدَ من شعور «التيار» بالإستهداف.
في هذا الوقت كان باسيل وبعد تبنّي خيار الورقة البيضاء التي التزم بها تكتله سابقاً مع «حزب الله» في جلساتِ انتخاب رئيس الجمهورية، عدّل موقفه فقلّص عدد الأوراق البيض. وبدأ حملةً مضادةً للتعبير عن سخط التيار ونوابه، ملوّحاً بالخروج بمرشّحٍ تُخاض عبره المعركة.
والواضح أن التيار تَقَصَّدَ ضخَّ جوٍّ إعلامي وسياسي بأنه في صدد التسمية وأن النواب لن يقبلوا المضي في السير بأوراقٍ بيض، وعمد بعد خلوةٍ مطوّلة، إلى الترويج لمناخٍ سياسي أوحى بمناقشة أسماء عدة يخوض بها معركته.
وكان يقصد «التيار» بحسب العارفين العملَ على إستدراج «حزب الله» إلى الحوار وعدم الدخول في مرحلة إستفزازٍ جديدة، وخصوصاً في ضوء مواقف رئيس الجمهورية السابق ميشال عون الذي أبدى عتباً على الحزب لجهة إدارته الظهر لتياره والمشاركة في جلسة مجلس الوزراء.
وفيما كان «التيار» يفتح طريقَ الحوار، أصرّ ميقاتي على الدعوة إلى جلسة ثانية لمجلس الوزراء، بتزكيةٍ من بري. ورغم رهان التيار على أن «حزب الله» لن يشارك في الجلسة، فوجىء بموقف مُعاكِس من الحزب الذي أعلن المشاركة ولكنه حَصَرَ تغطيته الجلسة بإقرار البند في جدول الأعمال المتعلق بملف الكهرباء لا أكثر.
عند هذه النقطة، ضاقتْ خيارات باسيل. فالحزب قرر المشاركة في الجلسة من بوابة الكهرباء أي للضروراتِ القصوى. لكن المشكلة أن هذا الإنعقاد يأتي وكأنه موجَّه ضد التيار الذي إشتبك وزير الدفاع المحسوب عليه موريس سليم مع ميقاتي حول جملة مراسيم تتعلق بالجيش، بعد إصرار الأول على توقيع جميع الوزراء فيما تَمَسَّك رئيس الحكومة بصدورها بتواقيع الوزراء المعنيين فقط.
وما جعل قرار «حزب الله» بالانحياز مجدداً إلى ميقاتي – بري ثقيل الوطأة على باسيل أن الحزب لم يلاقِه في منتصف الطريق بعدما فرْمَلَ الأسبوع الماضي طرْح أي إسم مرشّح مقابل الورقة البيضاء. وهذا الأمر كان أثار ردات فعل مُنْتَقِدة في أوساط «التيار الوطني» تعكس مزاجاً يميل نحو عدم السكوت عن سلوك الحزب الذي فَتَحَ أبواب الحوار مع بكركي في موضوع الرئاسة، ما يعني أنه يحاول القفز فوق باسيل في ما خص الترشيحات.
لكن «التيار الوطني» يصبح بذلك واقعاً بين فكّيْ كماشة، فمن جهة هو لا يمكن أن يغامر بتسمية مرشحٍ ما في الوقت الذي يعرف أن لا إنتخابات رئاسية، ولا يريد ان يختار إسماً للمناورة، ومن جهة أخرى يجد نفسه مقيَّداً بأداء الحزب الذي «لم يقف على خاطره» في الإمتناع عن المشاركة في جلسة مجلس الوزراء أو التخلّي عن ترشيح فرنجية.
وبهذين البندين لم تَعُدْ «ورقة التفاهم» على أهميتها هي وحدها التي تحتاج إلى مراجعة بين الطرفين. فالقاعدة المؤيّدة لـ «التيار» أصبحت متفلّتة من الضوابط في إنتقاد «حزب الله» كما يحصل اليوم، ولم يعد يعنيها مراجعة «التفاهم» أو تعليقه. في حين أن الورقة الهشة ما زالت هي الخيط السياسي الذي يربطهما من فوق. وإذا كان الحزب ما زال حريصاً على التحالف مع «التيار» كقوة مسيحية، إلا أنه أيضاً يُظْهِرُ تكراراً أنه لن يخضع لِما يعتبره إبتزازاً يمارسه باسيل، الأمر الذي أدى أساساً إلى أن تكون الحكومة الحالية حكومة تصريف أعمال، بسبب شروط «التيار» وسلوكه. وهذا يعني أن باسيل حَشَرَ نفسه في الزاوية التي لم يعد قادراً على الخروج منها منفرداً، ولا يجد في المقابل مَن يمد له اليدَ للمساعدة على «النزول عن الشجرة».