No Script

رأي قلمي

شخص لا يُفوّت...!

تصغير
تكبير

المصداقية العالية والانطباعات الجميلة ليست وصفة نحصل عليها ثم نرتاح، إنها حالة لا بد أن تكون موجودة معنا حينما نتحدث أو نستمع أو ننقل ما سمعناه أو شاهدناه.

الصدق سمة أساسية في بناء الثقة في مَنْ تُجالس وتتحدث معه، ونقصد هنا بالصادق هو مَنْ يتحدث بالخبر المطابق للواقع من دون تحريف أو تهويل، فإذا كان المتحدث يخبر عن أمور يعتقد على نحو جازم أنها وقعت، والحقيقة أنها لم تقع، أياً كان اعتقاده في غير محله، فكلامه لا يوصف آنذاك بالصدق، لأنه لم يطابق الواقع، مثلاً عندما يتحدث أحد الجالسين عن موقف حدث مع زميله أو صديقه والمستمع يرشد ويوجه وينصح، وإن رجعنا إلى تاريخه لوجدنا أن مَنْ يدلي برأيه الناصح قد وقع في الموقف نفسه ولكنه لم يتصرّف بما قاله، كان سلوكه معاكساً ومناقضاً تماماً لما نصح به المتحدث، حديثه لا ينسجم مع فعله، بل وخالف واقعه ولم يتحمل مسؤولية التأكد مما يقوله وينصح به ويوجه ويرشد غيره، فهو متناقض وكلامه يعاكس سلوكه، وعندما يقول شيئاً ويفعل شيئاً آخر فهو منافق وكاذب.

والطامة الكبرى عندما يحلم بأنه شخص مهم لكل مَنْ حوله، والكل يرغب بالتقرب منه، وأنه شخص لا يفوّت، فيجلس بالمجالس ويُحدّث الناس بصيغة أن الكل يتهافت عليه والكل يريد خدمته، وتقديم الهدايا والعطايا له من كل حدب وصوب، وعندما ترجع لمَنْ تحدث عنهم تجدهم مرغمين ومغصوبين على تقديم ما طلبه وليس مبادرة منهم، إما لأنه من الأرحام ويخافون القطيعة، أو شخص عزيز عليهم ويخافون فقده.

إن مصداقية الإنسان الذي يتحدث في المجالس عبارة عن سلسلة حلقات من عدد غير قليل من الدوائر الجميلة المغرية بشكلها وبريقها، وتلك الحلقات تختلف في غلظها وسماكتها وتعرجها المميز، وكل حلقة تمثل صفة أو جزءاً من شخصية المتحدث. تعلمون جيداً أن قدرة الناس على مناقشة الأفكار والمفاهيم وتبيّن مدى الصدق والكذب في الأخبار المنقولة منهم ومدى الصواب في الآراء محدودة، وكلما تدنّت مراتبهم المعرفية والثقافية زاد جهلهم وعجزهم عن القيام بذلك، قليل من المتحدثين مَنْ يتفحص الصورة الذهنية المنطبعة لدى مَنْ يُجالسه ويستمع إليه، لأن تلك الصورة هي المرجعية لدى المستمعين في التعامل مع كلام المتحدث، ومع ما هو صدق أو كذب أو غامض أو يثير الجدل.

عندما يطرح الإنسان موضوعاً لا بد أن يراعي الظروف المحيطة، لأنه مهما ملك من معلومات حول الموضوع الذي يتحدث فيه، ومهما ملك من البراعة في الأداء واستخدام مفردات اللغة... فإن كل ذلك لا يُجدي شيئاً إذا لم يعتقد الناس أن المتحدث صادق موثوق، عارف بما يقول منزّه عن التحريف والتهويل والأهواء الشخصية.

من منّا لم يصادف في حياته هذه النوعية من الناس، التي تقول شيئاً وتفعل شيئاً آخر، ولا يحاول تعزيز مصداقيته أمام مَنْ حوله، ولا يمتلك الشجاعة الأدبية التي تساعده على الاعتراف بخطأ وقع فيه ولم تكن ردة فعله كما قالها وأخبر بها، رغم أن مَنْ يعترف بخطئه يترك انطباعاً متألقاً لدى الناس بأنهم يحصلون على توجيهات وإرشادات ونصائح من مصدر دقيق وموثوق.

M.alwohaib@gmail.com

mona_alwohaib@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي