No Script

قيم ومبادئ

استر على ما واجهت

تصغير
تكبير

الستر والنصيحة والتعاون منظومة ثلاثية الأبعاد، غابت أو غُيّبت عن عالم السياسة، فأصبح المسرح السياسي كحلبة صراع والجمهور مع الخيل يا شقراء!

وأخشى ما أخشاه، أن يسري ذلك الداء العضال إلى الذوق العام فيتبعه فساد اجتماعي تعم به البلوى الجميع بحيث تتآكل القيم شيئاً فشيئاً، كمرض الجذام فيصبح المجتمع مقطع الأطراف لا يقوى على الحراك!

في عالم السياسة تم اقتحام المحرمات بحجة الشفافية، وقانون حق الوصول للمعلومات والمراقبة للمحاسبة كل ذلك بنية الإصلاح، ومكافحة الفساد!

ولكنهم ما تركوا خصماً من الفرقاء السياسيين إلّا وفضحوه بتركيب مقاطع فيديو ودبلجة في أهله وماله وعرضه! وكأننا لسنا مسلمين؟ الستر واجب اليوم كما هو اجب في ما مضى، إلا أنه اليوم أشدّ وجوباً لأن بعدم الستر تشيع الفاحشة وتُعلن الفضائح، وتظهر القبائح وبطبيعة الحال ما من مسؤول إلّا وهو قد اطّلع على أسرار الأسرار حتى وكأنه ينظر إلى الكويت من وجه آخر ليست هذه هي الكويت التي يعرفها في ما يبدو له!

والمشروع إذا رأى الإنسان من أخيه في الله أو أخته في الله عورة يعني معصية فلا يفضحه ولا ينشرها بين الناس بل يستر عليه وينصحه ويوجهه إلى الخير، ويدعوه في ما بينه وبينه إلى التوبة إلى الله من ذلك، ويعينه ويعضدّه بكتفه كي لا يسقط ولا يُعين الشيطان عليه، ومَنْ فعل هذا وستر على أخيه ستره الله في الدنيا والآخرة، لأن الجزاء من جنس العمل.

أما الذين يُظهرون المعاصي ولا يستحون ويعلنونها بين الناس في وسائل التواصل الاجتماعي فهؤلاء فضحوا أنفسهم فليسوا محلاً للستر كالذي يشرب الخمر بين الناس في الأسواق أو المقاهي وفي الفنادق والاجتماعات، فهذا قد فضح نفسه وهكذا من يتبجّح بذكر ما فعله في الزنا بالتي زنى بها، ويحدّث الناس في المجالس مباهياً وضاحكاً ولا يُبالي فهذا وأمثاله ليس محلاً للستر لأنه أعلن فاحشته (وكل أمتى معافى إلا المجاهرين).

ومما يُعينك على الستر على أخيك أن تعلم فضل من ستر مسلماً وأن تستشعر معنى اخوة الإيمان (إنما المؤمنون إخوة) وأخيراً أن تضع نفسك مكان أخيك الذي أخطأ وزلّ، فهل تحب أن يفضحك الناس أو تُستر؟ واعلم أن ستر الله مستلزم لستر المؤمن على نفسه فمَنْ قصد إظهار المعصية والمجاهرة فقد أغضب الله تعالى فلم يستره، ومَنْ قصد التستّر بها حياء من ربه ومن الناس مَنّ الله عليه بستره إياه... فاستر إخوانك فإنه لا طاقة لك بحرب الله، القادر على كشف عيوبك وفضح ذنوبك التي لا يعلمها الناس عنك، وألجم لسانك عن الخوض في الأعراض وتتبع العورات وإفساد صيت إخوانك وإساءة سمعتهم مقابل أن تجمّل نفسك وطائفتك.

ومما يدل على عظم ستر المؤمن في الدنيا أنه جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) ليُخبره أن رجلاً زنى بامرأة فأعرض عنه النبي (صلى الله عليه وسلم)، فكررها عليه ثلاثاً وفي كل مرة يُعرض عنه النبي (صلى الله عليه وسلم) حتى قال له (هلّا سترته بثوبك؟ لكان خيراً لك مما قلت).

مع أنه قال هذا كي يُقام حدٌّ من حدود الله في الأرض، يعني لمكافحة الفساد ولكن الستر أفضل من إقامة الحد وهذا كله إذا لم يثبت الفعل ولم يصل إلى القاضي!

فما بالنا اليوم؟ نفرح لكل هفوة ونهش ونبش بكل سقطة، بل ونتنافس ونتسابق لنشرها أولاً بأول، وعلى مدار الساعة لنرى ردود أفعال الناس في وسائل التواصل الاجتماعي وبعدها نعود لنكرر أن اختلاف الرأي لا يُفسد للود قضية!

استروا على أنفسكم أفضل.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي