الرأي اليوم

... آن الأوان

تصغير
تكبير

كم على الكويتيّين العيش ضمن أزمات تلد أخرى وجمود على كل المستويات بسبب استحالة انتظام العلاقة بين المجلس والحكومة؟ أصبحت الكويت بلاد «ما بين الأزمات» تصحو على واحدة وتغفو على أخرى، وكأن المطلوب أن يتدجّن الكويتي ويتكيّف معها ويعتبرها قدراً لا مفرّ منه ويفقد أيّ أمل في عبور النفق الأسود إلى ضوء التنمية والتطوّر.

كان دعاة رفض التغيير عندما تتم مُواجهتهم بمقارنة الكويت مع الدول الشقيقة التي تشبهنا، وكيف تطوّرت وتقدّمت فيما نحن مُنتظرين أمام قطار صدِئ داخل محطة مُتهالكة... يردّون: «لكنّنا مُتقدّمون سياسياً وديموقراطياً». والحقيقة الجارحة أننا تخلّفنا عنهم اقتصاديّاً واجتماعيّاً وحتى سياسيّاً، لأن حراك مُؤسّساتهم السياسيّة على خصوصيّتها ارتبط حصرياً بالخُطط التنمويّة ورفاهية الناس.

ثَبُتَ بالدليل القاطع مع تعاقب المجالس والحكومات أن العيب ليس في المجلس ولا في الحكومة، بل هو في المنظومة التي تُفرز آليات الوصول إلى البرلمان وتشكيل الحكومات ثم تحوّل المجلسين إلى متاريس مُتقابلة مُتواجهة وتأسر الكويت في دوامة الشّلل التي لم تنتهِ منذ عقود... ولن تنتهي.

ولماذا نختبئ خلف أصابعنا؟ نظام الانتخاب عندنا نظرياً شيء وعملياً وواقعياً أمر آخر، الطائفية والمذهبيّة والمناطقيّة والقبليّة و«المصلحيّة» هي العوامل الأقوى التي تُوصّل المرشح إلى الكرسي، أما رجال الدولة من الوطنيّين العابرين للطوائف والمناطق، أصحاب المشاريع التنموية والرؤية المُستقبليّة، فإن وصلت قِلّة منهم... ضاع صوتها.

وعن تشكيل الحكومات فحدّث بلا حرج عن العوامل التي تُساهم في إعلان التشكيل الوزاري، وكيف توضع معايير لإرضاء هذا الطرف أو ذاك من داخل الأسرة أو من خارجها، وكم من مرّة نام شخص وزيراً واكتشف أن الحقيبة مُنحت لغيره في حسابات اللحظة الأخيرة... عموماً منذ عقود والضرب في الحكومات في الكويت حرام، ويكفي إجراء جردة بالانتكاسات والتراجعات التي أصابتنا لتأكيد ما نقول.

الأمور الثانوية أصبحت أساسيّة والأمور الأساسيّة أضحت ثانويّة. صار الجِدال حول صحة عقد جلسة برلمانيّة بحضور الحكومة أو غيابها يأخذ وقتاً أطول من البحث في ضرورة تطوير التعليم مثلاً، وتفسير هذه النقطة أو تلك في اللائحة الداخليّة أهم من البحث عن مشاريع مُنتجة وخُطط بديلة في حال تراجع سعر النفط. التعاون بين النواب والوزراء عماده كتب الـ«لا مانع» والتوظيف والخدمات وإلا فاستجواب وتهديد بحلّ وتصعيد مواقف شعبويّة لحصد أصوات في الانتخابات.

وعلى المقلب الآخر، يعمل الوزير على حماية نفسه كونه يدرك سريعاً أن الآلية السياسيّة لوصوله تعتمد على إرضاء النائب لا على الإنجاز، وعلى أن لا حماية ولا مِظلة له في سوق التسويات الأكبر منه، ولذلك يأخذ الطريق الأقصر للبقاء إلى أن تدور الدائرة على الجميع. أما تجربة النائب الوزير المُحلّل فلم تكن سوى محطة لـ«ترس» الوزارة بموظفين من دائرته كونه يريد أن يعود إلى كرسي البرلمان في الانتخابات.

لن نستمرّ في ذكر الأمثلة وقد بات كلّ كويتي يعرفها ويعرف أكثر منها. بل نقول إن المشكلة بالنّهج، بالخوف من التحرّك إلى الأمام، بعدم تطوير الدستور والنظام السياسي الحاكم لآلية العلاقة بين المُؤسّسات في الدولة، بالبقاء في حالة الجمود التي شلّت البلد واستفاد منها قِلّة. آن الأوان للتغيير في ظل وجود قيادة حكيمة قادرة والخوف من تهديد التأزيم السياسي لعوامل الاستقرار في الدولة.

الكويت شهدت في عهد المغفور له الشيخ جابر الأحمد نهضة نقلتها من الدولة البسيطة إلى الحديثة، كان رحمه الله صاحب رؤية جمعت الذكاء والحلم، تجاوزت حاضره وتطلّعت دائماً إلى المستقبل، ولذلك أرسى أعمدة بناء الصرح المالي والاستثماري والاقتصادي الكبير بشكل أساسي وأضاء مساحات القطاعات الصحيّة والتعليميّة والفنيّة والثقافيّة والخدماتيّة بكل أنواعها.

وعندما وجد، رحمه الله، أن المنظومة المُتعلّقة بالسلطتين وأدائهما وتعاونهما فيها عيوب ونواقص وأنها قد تجمّد تنفيذ الرؤية التنموية، شكّل لجنة تنقيح الدستور واختار نُخبة من خيرة أهل الكويت لمُعاونته في البحث عن أفكار جديدة تسدّ الثغرات وتطوّر العمل السياسي. الشيخ جابر الأحمد الذي لا يمكن لأحد أن يزايد على وطنيّته وحبّه للكويت رأى منذ عقود أن المُشكلة في عدم تطوير الدستور، وشاركه في هذه الرؤية شخصيّات وطنيّة عملت بالقناعة من دون إجبار.

إذا كانت القيادة ونخبة من أهل الكويت قبل أكثر من ثلاثة عقود وجدوا أن الدستور يحتاج إلى تعديل فما بالنا اليوم؟ دستورنا مِظلّتنا التي تقينا من التقلّبات فإن تمدّدت التقلّبات والتحدّيات وجب توسيع المِظلة وتقوية متنها. الدستور ثوبنا الذي سترنا منذ أكثر من 60 عاماً فإن ضاق الثوب قليلاً على قياس يكبر ويتغيّر وجب تعديله وتفصيله ليناسب المُتغيّرات.

الخلاصة، لا بدّ من تعديل شامل للدستور يُنتج آلية هدفها الأول والأخير إطلاق عجلة التنمية على كلّ المستويات من دون أيّ عراقيل أو توقّف، وفصل السيّء من الحسن والثانوي من الجوهري، والبلد مليء بالخبرات القانونيّة والدستوريّة والسياسيّة والوطنيّة ولن نعدم إيجاد حلول في ضوء عقم التجربة من جهة والحاجة إلى التقدم من جهة أخرى.

ويا سمو وليّ العهد الشيخ مشعل الأحمد، أهل الكويت جميعاً واكبوا رؤيتكم التجديديّة بالتأييد، وأهل الكويت جميعاً وجدوا الأمل في كلماتكم المُؤسّسة لعهدٍ جديد، وأهل الكويت مع نهجكم في تحديث الإدارة ومُكافحة الفساد... لكن انطلاق قطار التنمية الحقيقيّة وفي كلّ المجالات لن يتحقّق في ظلّ المنظومة الحالية الضابطة للعلاقة بين السلطتين، ولا بدّ من تطوير الدستور لتحقيق المزيد من الديموقراطية والمشاركة الشعبية ومواجهة التحدّيات ومواكبة التطوّرات وتثبيت الاستقرار... الأمر الذي يعطي الحاكم ديناميكيّة أكثر في العمل واتخاذ القرارات وتنفيذ الرؤية التنمويّة.

توكّل على الله يا سمو وليّ العهد، وثق في أن الشعب الكويتي مُتكاتف معكم في السرّاء والضرّاء، تحت قيادة والد الجميع حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، لترجمة رؤية العهد الجديد، ورهانكم على الكويتيّين لن يخيب... فهم نُصب أعينكم في كل خُطوة وأنت في قُلوبهم في كلّ أمر.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي