No Script

اتجاهات

الاستقلالية الأمنية لأوروبا: البواعث والتحديات

تصغير
تكبير

عقب الحرب الروسية - الأوكرانية، نمت تطورات لافتة على صعيد الاستقلالية الأمنية لأوروبا.

إذ أصدر مجلس الاتحاد الأوروبي بيانات وتصريحات عدة تشدّد على تلك المسألة وتحدد الآليات الواجب اتباعها لتحقيق هذا الغرض، ومنها تطور وتوحيد الجهود العسكرية الأوروبية.

ناهيك عن ذلك، أعلنت ألمانيا عن عزمها إعادة تسليح نفسها، كما تخلت دول عدة عن سياسة الحياد الطويلة، مثل فنلندا والسويد من خلال عزمها الانضمام إلى حلف الناتو.

على لسان مسؤولين أوروبيين عدة، يعد الغزو الروسي لأوكرانيا أكبر التحديات الأمنية والجيوسياسية للقارة الأوروبية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

إذ يعد كارثة للأوروبيين بجميع المقاييس، والطامة الكبرى للأوروبيين، كانت عجز واشنطن عن ردع هذا الغزو، ثم عجزها التام عن إيقاف هذه الحرب الدائرة منذ شهور وربما تتطور لحرب نووية.

ماذا تعنى تحديدا «الاستقلالية الأمنية لأوروبا»؟ تنوعت الاجتهادات بصدد ذلك، لكنها أجمعت على شيء واحد وهو، العمل على تعزيز قوة أوروبية عسكرية موحدة تكون قادرة على التصدي الفوري للأزمات والتهديدات الأمنية من دون مساندة أو تدخل الولايات المتحدة أو حلف الناتو بالضرورة.

تأسس الاتحاد الأوروبي في خمسينات القرن المنصرم كقوة اقتصادية، وترك مسألة الحماية الأميركية ضمنياً أو بشكل مباشر إلى الولايات المتحدة وحلف الناتو. لهذا فشلت كل المحاولات السابقة لتأسيس قوة عسكرية أوروبية، بل لم يأخذها الأوروبيون على محمل الجد من الأساس.

ومنذ العام 2010، بدأ بعض الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا، تتحدث بشكل منفرد حول الاستقلالية الأمنية لأوروبا، نتيجة للتطورات والتحديات الكثيرة التي بدأ يشهدها العالم وأوروبا على السواء.

إذ أدركت بعض الدول الأوروبية أن الاعتماد المفرط على الحماية الأميركية يشكّل تهديداً خطيراً لأمن أوروبا، بسبب انصراف التركيز العسكري الأميركي بشكل شبه التام نحو الباسيفيك للتصدي للتهديد الصيني.

وهو ما تأكد للأوروبيين خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب الذى قلص قوض الشراكة عبر الأطلسي.

وترسخت هذه القناعة بشكل تام من خلال التصدي الضعيف لإدارة الرئيس جو بايدن للغزو الروسي، حيث أعلنت منذ بداية الغزو عن عدم خوضها مطلقاً حرب ضد روسيا لتحرير أوكرانيا. في مقابل ذلك، كثفت بشكل واسع من شراكاتها الأمنية في آسيا لمواجهة الصين.

والأخطر من ذلك، ما جاء على لسان بايدن عن استعداد الولايات المتحدة للتدخل عسكرياً لحماية تايوان إذا غزتها الصين. ويدل ذلك، على أن الصين، فقط، هي التهديد الرئيسي للهيمنة الأميركية العالمية، وليس روسيا كما تزعم واشنطن في بعض وثائقها الاستراتيجية.

علاوة على ذلك، طرأ بعض التطورات في أوروبا الدافعة للتفكير بجد في الاستقلالية الأمنية، ومنها بعض السياسات التركية الاستفزازية؛ أزمة المهاجرين المزمنة؛ انتشار الخلايا الإرهابية في أوروبا.

وبالقطع، لا تضاهى هذه التهديدات خطر التهديد الروسي النووي، والذى مثل العامل الحاسم في التحرك جدياً نحو الاستقلالية الأمنية.

يمثل تحرك الاتحاد الأوروبي الأخير نحو تأكيد الاستقلالية الأمنية، تطوراً تاريخياً في هذا الشأن.

حيث أقر على سبيل المثال، ما يسمى «البوصلة الاستراتيجية» حدد فيه البواعث والخطوات المستقبلية في شأن الاستقلالية.

ومع ذلك، تواجه الاستقلالية الأمنية كماً هائلاً من التحديات، بصورة تجعل تحقيقها أشبه بالمستحيل.

ونذكر أهمها، التباين الشديد بين الدول الأوروبية في شأن التهديدات الأمنية. فبينما ترى ألمانيا ودول أوروبا الشرقية، على سبيل المثال، في روسيا، التهديد الأمني الوجودي لأوروبا، ترى دول جنوب أوروبا وتحديداً إيطاليا وإسبانيا، أن تهديداتها الأمنية تنبع بشكل رئيسي من جيرانها على حدود المتوسط. في حين أن فرنسا لديها هواجس أمنية مختلفة، مثل الإرهاب ودور تركيا في المتوسط.

ومغزى ذلك، أنه من دون التحديد الواضح المشترك للتهديدات الأمنية، يصعب توحيد الجهود العسكرية الأوروبية. إذ على سبيل المثال، ترى بعض دول أوروبا الشرقية، مثل بلغاريا، أن الاشتراك في جهود عسكرية موجه ضد روسيا سيمثل تهديداً أمنياً واقتصادياً خطيراً عليها.

واحدة أيضاً من التحديات الكبرى، تتأتى من استمرار ثقة الكثير من الدول الأوروبية بالولايات المتحدة وحلف الناتو، كضامن رئيسي للحماية الأمنية. وتنشأ من ذلك، إشكالية أخرى وهي الدولة المرشحة للقيادة الأوروبية المستقلة الجديدة، حيث لا يتصور الكثير من الدول أن تتولى ألمانيا أو فرنسا هذه القيادة.

وتثار في شأن ذلك أيضاً إشكالية أخرى أكثر تعقيداً، وهي المتعلقة بشكل العلاقة بين الناتو والاتحاد الأوروبي في ظل الاستقلالية الأمنية. ودور الناتو في المستقبل.

ودور إنكلترا أيضاً كقوة أوروبية نووية كبرى.

وبالإضافة إلى ذلك، تبع تحديات تتعلق بالتمويل، وتوحيد السياسات الدفاعية والتنسيق، وشكل القوة الأوروبية الموحدة وطبيعة عملها وعددها إلى آخره.

إذن من الواضح، كما قال أحد الساسة الألمان، أن فكرة الاستقلالية الأمنية لأوروبا ما هي إلا فكرة «خيالية» لاتحاد مكون من 26 دولة، لن يتوحّد تماماً حول مسألة من الدرجة الثانية كعملته «اليورو» على سبيل المثال.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي