No Script

مجرد رأي

«المدن الإسكانية» دون جدوى...

تصغير
تكبير

تعد دراسة الجدوى الاقتصادية لأي مشروع من بدهيات النجاح، فمن خلالها يستطيع المستثمر ضمان مستهدفاته وتحديد كلفته بدقة واضحة من دون التعرض لمفاجآت قد تطرأ في التنفيذ تخالف الغرض منه، خصوصاً إذا كان المشروع تنموياً وتعقد عليه آمال كثيرة في حلحلة ملف متجذر العقد.

مناسبة هذا الحديث إقرار مجلس الأمة الأسبوع الماضي قانون المدن الاسكانية (مداولة أولى) والذي يعد من أهم القوانين التي تستهدف معالجة الأزمة الاسكانية المعززة بأكثر من 100 ألف طلب اسكاني مدفوعة بطوابير طويلة بكثرة المعلقين بحبالها، وطول انتظارهم.

بالطبع الجميع متوافق على أهمية حلحلة هذا الملف لارتباطه بكل اسرة في الكويت من مختلف مكونات المجتمع، لكن اللافت أن مقدمي مشروع القانون وإن كان الجميع يشدد على أيديهم في اتخاذهم خطوة نحو الحل، إلا أنه يؤخذ على مشروعهم من باب النقد البنّاء أنه قُدم من دون أن يرفقوا معه دراسة جدوى اقتصادية، تضمن بوضوح تحقيق مستهدفاته المأمولة.

فرغم اقرار القانون نيابياً في المداولة الأولى، إلا أنه لم يخرج مقدموه للعلن بأي دراسة جدوى اقتصادية للمشروع تعزز فرص نجاحه في كبح جماح تضخم الطلب الاسكاني، ليبدو مع ذلك أن تبنيهم للمشروع المقدم بضمان شخصي، وإذا كان هكذا طرح مقبولاً سياسياً إلا أنه يخالف اقتصادياً حتى أبسط متطلبات نجاح الفكرة وتفادي مخاطرها.

وتتعاظم أهمية وجود دراسات الجدوى الاقتصادية للمشاريع عامة والتنموية خصوصاً باعتبارها تقدم مجموعة من الخطط الإستراتيجية التي يمكن معها الوصول إلى القرار النهائي في شأن تنفيذ الفكرة على أرض الواقع، حيث يتم الحكم على الفكرة من خلال النتائج والإحصائيات الدقيقة التي ينبغي الاعتماد عليها في اتخاذ القرار النهائي.

ولذلك،حصد الإيجابية من المشاريع الكبرى يتحقق من خلال الاعتماد أولاً على دراسة الجدوى الاقتصادية وليس تغذية الأحلام بمجرد طرح المشاريع المستحقة.

فمن خلال التجربة العملية للعديد من المشاريع الكبرى التي عكست تسارع المنافسات خليجياً وعالمياً في الفترة الأخيرة نحو تحقيق الإنجاز لوحظ أن دراسة الجدوى الاقتصادية مثلت نقطة ارتكاز رئيسية في طرحها مالياً ووظيفياً ودورها في معالجة العديد من التحديات، أم الاكتفاء بطرح مشاريع استراتيجية من دون الحاقها بدراسة جدوى اقتصادية تؤكد أهميتها بشكلٍ تعزيزاً للبقاء داخل دائرة الحلم دون ضمان الخروج لدائرة الضوء بالتنفيذ الناجح.

لغة الأرقام قد تبدو صعبة للبعض وأكثر تعقيداً في فهمها، لكن الاعتماد عليه منصة أساسية في تأكيد النجاح، لا سيما في تنفيذ المشاريع التي يعقد عليها آمال مجتمعية كبيرة، مثل القضية الاسكانية لأنه في حال عدم تطابق النتائج مع المستهدفات سيواجه الجميع تعقيداً مزدوجاً ومكلفاً سواء مالياً أو زمنياً لجهة إضاعة مزيد من الوقت في انتظار تحقق الحلم ومن ثم تأجيل حل المشكلة بالبحث عن حلول أخرى.

ولعل أحد أهم المميزات التي يمكن أن تتحقق من دراسة الجدوى الاقتصادية هي تحديد مخاطر المشروع والوصول إلى أفضل النتائج، بأعلى قدر من التميز.

فبفضل دراسة الجدوى الاقتصادية نستطيع ببساطة وضع كل الاحتمالات الممكنة والتي يمكن من خلالها الحصول على أفضل النتائج الإيجابية وتجنب أي نوع من أنواع المخاطر.

الخلاصة:

من باب الموضوعية القول إن عدم تقديم دراسة جدوى اقتصادية للمشاريع الكبرى حكومياً ونيابياً إشكالية لا تتعلق فقط بمشروع قانون المدن الاسكانية، بل هي جماعية ومتصلة بكل مشاريع القوانين المقدمة في السنوات الأخيرة سواء نيابياً أو حكومياً، حتى تحولت هذه الحالة إلى ظاهرة، وجعل جميع الجهود لحلها أقرب لحراك عبثي ما عرض غالبية المشاريع المطروحة خلال هذه السنوات إلى الفشل.

ولتفادي مخاطر الفشل أو أقله تجنب عدم بلوغ النتائج الايجابية المستهدفة يتعين تغيير مسار طرح مشاريع القوانين المقدمة بضرورة أن يرافقها دراسة جدوى اقتصادية مقنعة تتم مناقشتها من المختصين وتحديد الفائدة والكلفة والمخاطر والأهم تحديد وبوضوح ما إذا كانت تشكل أفضل الحلول أم هناك بدائل أو تنقيح مستحق للفكرة الرئيسية.

ودون ذلك سيظل الجري وراء الأحلام المحرك الرئيس لأي مشروع تنموي دون أن تكون مدعومة برؤية مبنية على دراسة جدوى اقتصادية نستطيع من خلالها تحويل الأحلام إلى حقائق وواقع ملموس.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي