يتعجّب الله تبارك وتعالى، من حال العرب في الجزيرة العربية الذين يُسافرون في رحلة الشتاء والصيف، ويمرون على الديار والقرى الخرِبة والآثار الباقية من القصور الخاوية على عروشها والآبار المعطّلة التي سقطت جدرانها، حيث يرون مصارع القوم الذين كذّبوا رسلهم... والتعجب متعلّق بمَنْ سافر ورأى شيئاً من آثار العذاب الذي حاق بالمستهزئين مثل قوم عاد وثمود وغيرهم.
والحال أنهم لم يتعظوا بمَنْ سبقهم ولا خافوا من عقاب الله أن ينزل بهم كما نزل بمَنْ قبلهم، فليس لهم قلوب يعقلون بها، وهنا الإشارة اللطيفة إلى أن العقل محله الدماغ، كما أن السمع محله الأذن، ولكن الأمر أن الأبصار لا تعمى، أي أبصار العيون ثابتة لهم ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، أي عن إدراك الحق والاعتبار وتعديل المسار، وقال بعض العارفين لكل عين أربع أعين، يعني لكل إنسان أربع أعين، عينان في رأسه لدنياه، وعينان في قلبه لآخرته، فإذا عميت عينا رأسه وأبصرت عينا قلبه فلم يضره عماه شيئاً، وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه فلم ينفعه نظره شيئاً.
وبعد هذه المقدمة البسيطة نخلص الى هذه النتيجة فنقول إن الحضارة المدنية المعاصرة اليوم يملكون عقولاً ولكنهم لا يملكون قلوباً، ولهذا زاد شقاء البشرية وانتُهِكت معالم الإنسانية والمشاعر التي يشترك فيها جميع أبناء آدم.
لقد تحوّلت الحياة البشرية إلى حياة مادية سادية بحتة وغابت عنها القيم والأخلاق، فكانت الثورات وزادت الأمراض وتوالى التضخم العالمي ومعدلات الديون السيادية إلى أن أصبح النظام العالمي عاجزاً عن الحل مكتفياً بعقد المؤتمرات والتقاط الصور وتبادل النكت مع الصحافيين في الوقت الذي يلتهم فيه غول الشركات العابرة للقارات ما تبقى من الاقتصاد؟
ولا أمل على المدى القصير المنظور بسلام دائم أو حل شامل لهذه الأمراض المزمنة، اللهم إلّا مزيداً من المشاكل وتعقيداً للأمور وحروباً مسعورة للمصالح بعيداً عن القيم وقوانين الأخلاق، فأصبح العالم بأسره يسير مكباً على وجهه في السياسة والاقتصاد والثقافة والفنون ولا يرى الحق حقاً ولا الباطل باطلاً لأن البصيرة طُمست فانتكست الموازين.
والأمل معقود بعد الله تعالى، فيما يُسمى - العالم الثالث - أو - الشرق الأوسط - وتحديداً بلاد المسلمين وبالأخص الجزيرة العربية الذين نزلت فيهم آخر رسالة يبعث بها الله الى أهل الأرض فإنهم وأعني (العرب) يملكون البصيرة في الدين القائمة على الحجة والبرهان، وهذه البصيرة نور يقذفه الله في القلب ولهذا جاء في الدعاء النبوي الشريف (اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي سمعي نوراً وفي بصري نوراً وأعظم لي نوراً)، هذا النور إذا ذاقه الإنسان في قلبه فإنه يسير في حياته على هدى من ربه لا تختلط عليه الأمور، ولا تتشابه وقلبه يكون كمشكاة فيها مصباح والمصباح في زجاجة والزجاجة كأنها كوكب دري يُوقد من شجرة مباركة، زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، وهذا نور على نور يهدي الله لنوره مَنْ يشاء. إذاً، هذه هي البصيرة في لمعانها ووضوحها وإنارتها جاء بها الإسلام وهي تُخالف جملة وتفصيلاً لاهوت اليهود ورهبانية النصارى وعنجهية الفرس الذين عمت قلوبهم التي في صدورهم.