No Script

مجرد رأي

«نفضة» التعليم...

تصغير
تكبير

لعل من المرات القليلة التي قد تجد فيها توافقاً جماعياً محلياً ودون تسييس تلك التي يجري فيها الحديث عن تدهور التعليم في الكويت منهجاً ومخرجاً.

وإلى ذلك سيُشاركك الجميع الرأي بأننا نُعاني من مستوى متدنٍ من التعليم بمختلف مراحله، رغم سخاء الصرف عليه دون أن يقابل ذلك تطور ملموس وإن كنا أكثر موضوعية يمكن القول إن التعليم في الكويت يواجه سقوطاً حراً، من تدنٍ لآخر دون أن يجد مَنْ يوقف ذلك ويعيد تعديل مساره ببرامج متطورة، وهنا شيفرة السر حيث تعزيز التطور في مناهجنا التعليمية بدلاً من التمسك بالمناهج الكلاسيكية التي لم تعد تواكب متطلبات الحداثة اقتصادياً واجتماعياً.

وتتعاظم خطورة استمرار هذه المعضلة أكثر إذا علم أنه لا أمل في تحقيق أي تنمية مستدامة ما لم يواز ذلك تأهيل الأجيال تعليمياً وتمكينها من تسلم دفة المستقبل بمهارات تعليمية متطورة.

فببساطة وبعيداً عن أيّ تعقيد دون ضمان انتقال القيادة من جيل نوخذة لآخر قادر على قراءة الإحداثيات لا يمكن للكويت ضمان تجاوز أمواج المستقبل، وتفادي صخور الأزمات سواء المحلية أو العالمية.

في تقرير «الشال» الأخير قدم بوضوح تشخيصاً عملياً لوضع التعليم في الكويت، حيث كشف أن معدل تكلفة الطالب في التعليم العام في مراحله الأربعة -الروضة إلى الثانوية- بحدود 3800 دينار سنوياً، وهي من أعلى التكاليف في العالم، ومستوى خريج الثانوية العامة ضمنه دون مستوى طالب الرابع المتوسط.

وبيّن أن فجوة التعليم محلياً وفقاً لبرامج الحكومات السابقة نحو 4.8 سنة. وقيمه تؤكد انتشار الغش، الذي أصبح واقعاً مقبولاً، ومناهجه ما زالت متخلفة كثيراً عما يتطلبه ما طال التعليم في العالم من تطور جوهري، ومن هذا المنطلق يتعيّن الانتباه حكومياً إلى خطورة استمرار هذا الوضع، لأنه دون ذلك لن يساعد إلا في زيادة حبكة عقدة التنمية المتأخرة أصلاً تعقيداً، ما يُهدد أي جهود مبذولة للخروج بالكويت من مرحلة الثبات التي تُعاني منها منذ سنوات طويلة وسط عالم يركض من حولنا سريعاً وفي كل اتجاه.

باختصار، دون تنمية الكادر البشري تعليمياً تكون التنمية المستهدفة عرضة للعطب في أي وقت، بما يُخالف الحديث الصاخب عن التنمية في أنها باتت مستهدفاً حكومياً لا رجعة فيه.

وربما لا تعد مجافاة للموضوعية القول إن التعليم في الكويت يواجه ورطة كبيرة وأنه ينبغي العمل سريعاً على تحسينه باعتباره السبيل إلى التنمية الحقيقية، وطريق المستقبل لتكوين مجتمع متطور، يستطيع النهوض وسط الثورة الاقتصادية والتنموية التي تحدث في كل مكان حولنا.

وعملياً، إصلاح التعليم وتعديل مساره يتطلّب السير في مسارين رئيسيين وفي الوقت نفسه، وهما تحسين جودة المناهج التعليمية بجميع المراحل، باستيراد المناهج القادرة على إحداث تغيير تعليمي حقيقي يواكب التطور الحاصل آخر عشر سنوات.

وثانياً، ربط مخرجات التعليم باحتياجات سوق العمل الحقيقية مقابل التخلي كلياً أو أقله تخفيف انتاج التخصصات التعليمية التي باتت غير مطلوبة بسوق العمل، وبذلك يمكن تفادي طريق تعزيز البطالة المقنعة في الجهات الحكومية والذي تُعاني منه الدولة بأعباء مالية إضافية غير مستحقة بالميزانية العمومية.

وربما لا يُعد سراً الإشارة إلى أن من مخرجات أزمة 2008 العالمية أنها استحدثت احتياجات وظيفية جديدة بأسواق العمل من قبيل الأمن السيبراني، والمعلوماتي وإدارات المخاطر وغيرها من الوظائف المستجدة على سوق العمل والتي من الواضح أنها ستكون وظائف مستقرة مستقبلاً وستشكل دائماً مصدراً لاستقطاب العمالة.

ومن وحي ذلك، يتعيّن التركيز تعليمياً على توفير وظائف المستقبل، بمختلف مهاراتها، وهذا يتطلب إطلاق العنان لشتى الفرص التعليمية المطلوبة، وتنمية الثروة البشرية لذلك، باعتبار البشر الحجر الأساس الذي تقوم عليه المجتمعات المستنيرة، والمحرك الرئيسي للتنمية المستدامة، أخذاً بالاعتبار أن هناك روابط قوية بين التعليم والازدهار اقتصادياً واجتماعياً.

الخلاصة:

العلم يبني الأوطان، هذه العبارة ليست تعبيراً جمالياً، بل واقع ملموس تم إثبات صحته في عدد كبير من الدول التي عانت ويلات التخلّف وبفضل تحسين مستوى التعليم أصبحت متقدمة.

ولبناء مجتمع واع قادر من خلال أجياله على تسلم راية تنمية الكويت باستدامة دون تعثر يتعين إحداث نفضة حقيقية في مناهج الكويت، وإعادة النظر في مخرجات التعليم، على أن يكون ذلك بإجراءات مستدامة تضمن الانتقال السلس إلى مراحل التطور التلقائية التي تحدث عالمياً بملاحقة المهارات التعليمية التي يحتاجها سوق العمل وليست التي تُعزّز البطالة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي