في الحوار، من الطبيعي أن يكون هناك اختلاف بين الأفراد، سواء كانوا أفراد أسرة واحدة أو أصدقاء أو زملاء، حول شيء ما، ومما لا شك فيه أن كل حوار بينهم يدل بوجه من الوجوه على وجود شيء من الاختلاف، وإذا جرى حديث بين شخصين دون وجود شيء يختلفان فيه، هنا يسمى حديثهما اتصالاً وتواصلاً.
أما في الحوار فتكون هناك رغبة في الوصول إلى رؤية مشتركة أو قرار موحّد، لكن لا يكون الهدف الرئيسي هو الوصول إلى الرؤية المشتركة أو القرار، إنما المقصود الأول، يكون التواصل والاندماج وتقوية الروابط بين أطراف العلاقة، أياً كان وصفهم، وموقعهم من الأعراب في حياتنا، ومن ثمَّ سنجد درجة عالية من الرضا والتسامح والقبول المتبادل، وكأنه ليس هناك خلاف أو نزاع في مسألة من المسائل.
إن أردنا أن نرتقي بحواراتنا، ونحافظ على مشاعر بعضنا، علينا أن نفهم ما يحرّك مشاعر الشخص الذي نحاوره، فهناك كلام يبعث على السرور، وكلام يثير الاهتمام، وثالث يثير الشك والغضب، وبما أن طبائع الناس متقاربة وموحدة في أمور كثيرة، فإن الحرص يجعلنا نفهم مشاعر من نحاوره من خلال قياسها على مشاعرنا. هناك أسلوب يحبه جميع الناس، ويرتاحون له، أسلوب الحث والتشجيع والتحفيز، أما أسلوب الحوار المؤذي للمشاعر فيكرهه الناس، لأنه أحد الأسباب الرئيسة في البعد بين الأطراف، وتوسيع هوة وفجوة الخلاف بينهم. من الضروري أن نفهم البعد العاطفي في الموقف الحواري، ونراعي مشاعر من يحاورنا ويتحدث إلينا ونكون كرماء أسخياء في التفاعل معه، لأن ذلك يشجعه على الكلام، ويجعله يشعر بالثقة تجاه الأفكار التي يقدمها، هذا الكرم يتجلّى في إشعارنا له بأننا متابعون له بدقة، وحين نسمع منه شيئاً جيداً، فإننا نثني عليه، إن هذه الدرجة من التفاعل تشجع على استمرار الحوار، وتشجع المحاور على البوح بما عنده.
بعض الناس تجد في وجوههم دائماً نوعاً من الجمود والبلاهة والتهجم، إنهم لا يعبرون، تشعر وأنت تتحدّث معهم، وكأنك تتحدث مع تمثال أو دمية، وهذا شيء مزعج للغاية، لأنه يجعل المتحدث والمحاور متوجساً من مفاجأة غير سارة تنتظره ممن يجلس أمامه، إن من المهم أن ندرك أن ما بين 70 إلى 80 في المئة من المشاعر والمعاني تنتقل خارج إطار اللغة المنطوقة، أي عبر حركة الرأس واليدين، وتعبيرات الوجه، ووضعية المتحدث وهيئته... ولهذا فإننا حين نتحاور وجهاً لوجه تكون طريقة الكلام أكثر إفادة ونقلاً للمعاني من الكلام نفسه. التواصل البصري بين المتحاورين أيضاً مهم، وقد قالوا قديماً: «العينان مغرفتا الكلام»، والحقيقة أن التقاء العين بالعين يساعد على تنظيم التفاعل الداخلي بين المتحاورين، ونحن كثيراً ما نخطئ في هذا الشأن.
دعونا نتحدّث ونحاور ونعبّر بوضوح عما لدينا من مفاهيم وقيم وأخلاق وتهذيب، لنكشف عن أناقة ذواتنا، وسمو عقولنا، ولتكون النعومة والمراعاة واللطف هي سيدة الموقف، ومنها نعيش علاقات مخملية راقية متماسكة فيها من روابط الاحترام والاهتمام ما يحميها من التفكك والضياع.
M.alwohaib@gmail.com
mona_alwohaib@