سافر إلى ذاتك

عندما يُكتب التاريخ بالأقدام ويُضيء الوطن العربي بنجمة خضراء مغربية

تصغير
تكبير

إن دخول التاريخ أمر ليس بالسهولة المتوقعة، فأنت تحتاج أن تسبق شيئاً أو تكون سبّاقاً في أشياء. ولأننا بلغنا من الخذلان الكروي ما جعلنا نضع أسقفاً وهمية لنا ونشيد معتقدات سلبية عن قدراتنا ونكتفي بجهد وخبرات بسيطة، ناهيكم عن تفكير باطني أنه لا يمكننا أن نتجاوز أبطال العالم ومخضرمي الكؤوس، مما جعل كأس العالم أقصى حلم فيه مباراة واحدة، أما البطولات الباقية فنحن مقتنعون أن سقف الكأس لا يتجاوز ولا يتعدى إلا أن يكون في بطولة صغيره تجمع عدداً بسيطاً من الفرق، أما البطولات الكبرى هي للكبار فقط... يبقى السؤال الآن كيف صاروا كباراً؟ ولماذا هم لهم الحق في الحلم ونحن نكتفي بالمشاهدة؟ لماذا هم يصلون ونحن نقف؟ ولماذا هم يتجسرون ونحن نخاف؟

ولأن الأمر تجذر داخلنا وتعمّق بأفكارنا وصار سلوكاً ملحوظاً فينا كجماهير وفرق، وصلنا لمرحلة استبعاد فكرة التأهل، وتحوّلنا من مشاركين إلى مشجعين يكتفون فقط بالمشاهدة، ولكن بدأت شرارة الثقة والانتصار من الكرة السعودية التي بدأت تنهش هذا المعتقد وتصنع بطولة لا تُنسى في فوز على الأرجنتين حامل اللقب الأسبق، أي بطل العالم ذاك الحين، وهذا الفوز الذي أبكانا وأفرحنا وأمتعنا ونصرنا هو فوز بالكأس نفسياً وفكرياً وتاريخياً، فأنت أوقعت البطل الارجنتيني بجسارة أبطال السعودية، ولأن الفريق السعودي أثبت جدارته كفريق أعاد الأمل فيه لقوة الكرة الخليجية، أعطانا قوة وعزماً وسعادة وملأنا بالفخر والثقة، أما نظيره المغربي هو لم يتجسّر فحسب بل وضع مقعداً عربياً تاريخياً في تاريخ كأس العالم.

أضاء بهذا المقعد نجمته الخضراء وأعاد لقلوب العالم العربي الرغبة في المواجهة وإثبات الذات، إنها كرة كما يظن البعض ومجرد لعبة كما يعتقد الكثير، لا، هي حياة وكيان خارج حدود الملعب وفوق حسبة المدربين وبعيداً عن هتاف المشجعين، هي رسالة على أنني تحرّرت من فكرة عمرها 92 سنة أي منذ بداية كأس العالم 1930، وهذه الفكرة تقول لا تستطيعون، لن تصلوا، هم القوة، لفكرة أنّنا سنحاول وسنستطيع وستبدأ منا القوة.

ومن فكرة أن أجرب وأخوض مباراة إلى قتال أريد الكأس والصعود مع الأبطال السابقين.

بفوز المغرب جميعنا كنا مغاربة... جميعنا تحولنا لأسود للمحاولة معهم، وجميعنا رفعنا الأعلام الحمراء معهم وأيضاً جميعنا نتطلع لنجمة خضراء تضيء التاريخ العربي وترجع بريقه، نعم إنه بريق العودة، الصفحة الأولى لعودتنا بقوة لمجدنا السابق وتقدمنا الذي كان سابقاً بكل شيء. هو بدأ بكرة القدم وما أدراكم ما كرة القدم؟ هي توحيد شعوب وثقة أوطان وصناعة عقول وإعلام جبار وسعادة مشتركة ووحدة صادقة ومشاعر لا تعرف التشويه، بأقدام أسود المغرب دخلنا تاريخ كأس العالم للمرة الأولى في تاريخ هذه البطولة، وكأنهم أعادوا صياغة قصتنا المهزومة بوقت انتهت فيه المباراة، كما انتهت فيه معظم أحلامنا، وأخذوا من الركلات الترجيحية التي تعتبر الأصعب دائماً في الفوز طوق نجاة، وقاتلوا لينجو، وأرسلوا بقتالهم هذا رسائل لنا لننعش خطواتنا ونتجسّر في عطاءاتنا ونثق بقدراتنا ونقاتل لنكون الأفضل والأحسن والأقوى والمتصدرين على الدوام ودوماً.

وعند آخر كرة فوز، لم تكن كرة مغربية بل كانت صفحة عربية بدأت للتو تقول للعالم، يا مجد نحن قادمون، افتحوا الأبواب، لمقاتلين عرب، سيعودون لمجدهم من جديد، بدأنا من أقدام مغربية إلى إقدام عربي متكامل في كل مناحي الحياة، نحن لم ننتصر بكرة بل انتصرنا بكسر معتقدنا عن أنفسنا وعن قدراتنا وعن ما يمكن أن نقدم أو ما نحب أن نكون، شكراً لأسودنا المغاربة، شكراً لكرة القدم العظيمة وشكراً لفرصة كأس العالم الذي من خلاله سننطلق لإنجازات كثيرة متبقية التاريخ لا يُكتب بالاقلام فقط بل يُكتب بالاقدام أيضاً، ويهتف بالأصوات حيناً و يسطع بالكلمات أحياناً وباللكمات غير المتوقعة أحياناً كثيرة.

ولأن الصفحة بدأت للتو في قاموس التاريخ العالمي لكرة القدم، أحب أن أسجل وأوقع وأكتب في دفتر البداية وصفحاته الأولى كلماتي هذه التي تُثني على مجدٍ قادمٍ مغربي المنشأ، عربي الأصل، قطري البقعة، خليجي المكان، وكويتي التعبير يقول لكم شكراً لكم يا أبطال.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي