عادت الساحة السياسية في لبنان إلى فراغ رئاسي من جديد، لتكون قبل انتهاء مدة رئاسة الرئيس السابق ميشال عون البالغ من العمر 89 عاماً، حيث غادر القصر الجمهوري في بعبدا قبل الانتهاء من ولايته الدستورية بيوم واحد مسلّماً كرسيه الرئاسي للفراغ في الوقت الذي يتزامن مع انهيار العملة المحلية في لبنان مع ارتفاع حالات الفقر الشديد وتدهور الأوضاع المحلية والمحال التجارية.
وجاءت مغادرة عون لكرسي الرئاسة مع أسوأ الأزمات الاقتصادية التي يشهدها لبنان والعالم معاً، وفق ما جاء بتقرير البنك الدولي، كما ودع الرئيس السابق عون بعض الجماهير اللبنانية وأنصار حزبه وهو التيار الوطني الحر يتقدمهم رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وفي مقابل الحدث انتقدت أوساط إعلامية محلية سياسة الرئيس عون أثناء توليه الرئاسة على أنه السبب بتعريض البلاد إلى الإفلاس، وبالتالي إن رحيله مطلوب وغير مأسوف عليه، فيما عجز المجلس النيابي عن الاتفاق على من سيخلف الرئيس عون لهذا المنصب الرفيع بعد رحيله كونه يتمتع بالسلطة العالية ويخوله على توقيع مشروعات قوانين عديدة تهم البلاد، وأيضاً هي سلطة تقوم باختيار رؤساء وزراء جدد، وتخوله الإشراف على تشكيلة أعضاء الحكومات من الوزراء أثناء بقائه.
ويعتبر الرئيس السابق عون من الشخصيات المثيرة للانقسام وتدعمه فئة كبيرة من الطائفة المسيحية في لبنان بما أنه يعتبر المدافع الأول عنهم في النظام الطائفي في البلاد، في حين تتهمه أوساط سياسية على أنه اليد اليمنى لـ «حزب الله» اللبناني والوسيط للجماعة المسلّحة من حيث دعم نفوذهم داخل البلاد، إلا أن الرئيس عون لا يخلو من الإنجازات التي لا بد أن نذكرها ومنها البدء في عمليات التنقيب الاستكشافية في المناطق البحرية في لبنان خلال عام 2020 بمساعدة شركات طاقة أجنبية كبرى، وأيضاً الانتهاء من توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان مع الجانب الإسرائيلي بوساطة أميركية.
وأما من الجانب الشعبي فيعتبر الرئيس عون ذا شعبية ونجاحات متواضعة وقد تراجعت تلك الشعبية كثيراً عند نشوب الانهيار المالي عام 2019، والذي أدى الى اندلاع خلافات واحتجاجات شعبية واسعة ضد حكومته في الآونة الأخيرة، ثم تراجعت كثيراً عند وقوع انفجار مرفأ بيروت التاريخي في 4 (أغسطس) عام 2020 والذي خلّف وراءه دماراً هائلاً أدى الى مقتل أكثر من 220 ضحية، ناهيك عن الخسائر المادية ودمار البنية التحتية، كما أنه اعترف بأنه كان على علم تام بالمواد الكيميائية (النترات) عالية الخطورة والمخزنة هناك بسرية تامة!
وأيضاً اعترافه الآخر في مقابلة إعلامية أن سلطاته الرئاسية ليست واسعة بما يكفي في معالجة الأزمة الاقتصادية في لبنان وهو الذنب الذي لا غفران له حينما تغرق الدولة بالإفلاس!
واليوم، وسط تآكل الهيكل المالي والنقدي - المصرفي - المعيشي، فإنه يتطلّب من جميع القوى السياسية اللبنانية التكاتف نحو سد الشغور الرئاسي من خلال استئناف جلسات البرلمان بعد أن شهدت فصولاً من الشد والجذب، فمرحلة الفراغ الرئاسي وخلافه واختلافات الرأي بين القوى السياسية وشلل عمل السلطة التنفيذية مع بقاء المخاطر الأمنية وانفلاتها يجب ألا تستمر مع حكومة موقتة حالية مهمتها تصريف الأعمال، فإن كانت هناك نية حقيقية لإصلاح ملف خطة التعافي يجب أولاً العمل على سد الشغور الرئاسي...
والسؤال المطروح هنا: هل فعلاً سنرى تغييراً مرتقباً في مسلسل الاستحقاق الرئاسي في الأيام المقبلة، أم أنّ الأملَ بات معدوماً؟!
ولكل حادث حديث،،،
alifairouz1961@outlook.com