No Script

أما بعد...

إلهاء الشعوب

تصغير
تكبير

يقول الفيلسوف الأميركي نعوم تشومسكي، عن فكرة السيطرة على تفكير الشعوب وإلهائها، إن طرق السيطرة على الشعوب والرأي العام تتضمن معاملة الشعوب بوصفهم أطفالاً، واستثارة عاطفتهم بدلاً من فكرهم؛ وذلك لتعطيل التحليل المنطقي والحس النقدي لديهم، وإبقائهم في حالة جهل والاحساس بعدم الاستقرار، فأغلب ما يقال في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مغاير للحقيقة، ولا يمكن النظر إليه على أنه يمثل الحقيقة الكاملة.

فمن يدير هذه السياسة هو بالأصل يمارس الخداع اليومي على الناس، ويُمعن في استغفالها واستغلالها، فالإلهاء هو عملية تحويل وإبعاد الرأي العام والفكر عن المشاكل والأمور المهمة إلى مشاكل أقل أهمية وأكثر صدى باستعمال المنابر الإعلامية المضللة وطرق أخرى غير قابلة للاكتشاف، فسياسة الإلهاء هي فنٌ ومهارة وذكاء، فالرأي العام هو قوة الشعوب التي يجهلها كثير من الناس والدول تُدرك قوة الرأي العام أكثر من العامة أنفسهم.

إن تلك السياسات الإلهائية نجدها ونلتمسها باستمرار. فعندما تقع الحكومات في أزمة داخلية كصراع بين أقطاب مثلاً ويُصعب عليها حلها والصعوبة تجعلها تشعر بخطر يهدد كيانها ووجودها، فإنها تلجأ إلى عميلة (الإدارة بالأزمة) وتعني خلق وجعل أزمة معينة سواء داخلية أو خارجية لتوجيه الرأي العام عن الأزمات التي تتخبط بها الدولة وتفشل في تحقيق مطالب مواطنيها وحل مشاكلهم، عندها تلجأ إلى قضايا هامشية بعيدة كل البعد عن المشاكل الحقيقية، ويتم البث بها عبر وسائل الأعلام أو أي وسيلة أخرى حتى تكبر وتتضخم ويتوجه إليها الرأي العام ليلتهي بها، وادخال البلاد في متاهات يصعب الخروج منها، وابعاد الناس عن التفكير والسؤال عن قضايا كثيرة مثل البطالة وانحدار المستوى التعليمي والعدالة الاجتماعية التي لا تنتهي، فسياسة الإلهاء تقوم على صناعة الأفكار التي تلهي أكثر مما توقظ وتسلب أكثر مما تعطي.

إن نخبنا السياسة ليست بمنأى عن هذه اللعبة والتي يقصد منها إلهاء الناس بمشاكلهم المعيشية وهموم أرزاقهم حتى تستهلك وقتهم وتتحكم في تفكيرهم، بحيث لا يبقى لديهم متسع من الوقت للتفكير في غير همومهم المتجددة والمتعددة، فهنالك وسائل إعلام خاصة تعمل على ترويج الأحداث الزائفة وهي حدث يتم تنظيمه وتقديمه لعامة الناس بطريقة تجعلهم يرونه حدثاً ذَا أهمية عظمى. فالتحكم والسيطرة على الرأي العام أصبح علماً مستقلاً يُدرس في أكثر الجامعات العالمية رُقياً، فالتحكم بالجماعات أسهل بكثير من التحكم في الفرد.

فاستراتيجيات الإلهاء قديمة، وفِي التاريخ الحديث تبناها الزعيم النازي (أدولف هتلر) صاحب المقولة الشهيرة «إذا أردت السيطرة على الناس أخبرهم أنهم معرضون للخطر وأنهم تحت التهديد»، فالفيلسوف والمفكر الأميركي نعوم تشومسكي، قال حول استراتيجية الإلهاء «إنها عنصر أساسي في التحكم في المجتمعات عبر تحويل انتباه الرأي العام عن المشاكل المهمة». فيومياً نشاهد كثيراً من المضحكات المبكيات. فحين تتوارى وتغيب استراتيجيات تمكين الشعوب ومكافحة الفساد والهدر المالي وتحقيق العدالة والمساواة، تبرز إلى الواجهة قضايا عديدة وهامشية تافهة ينشغل بها الرأي العام.

فغيبوبة العقل والسير بخطى مترنحة والتشبث بالأفكار المتردية التي ترفض الحقيقة والوعي تقود إلى مجاهل الحيرة ولربما إلى شفير الهاوية. فقيمة الوطن أنك تجد فيه العدالة من أي مكان آخر، وأن تجد فيه الحب أكثر من أي مكان آخر.

إن أخطر أنواع الاستغفال السياسي هي: أن تُستغفل الجماهير تحت عناوين زائفة وفاسدة بغية تحصيل مكاسب سياسيّة معيّنة. والأخطر من هذا كلّه: أن تبقى الجماهير المستغفلة على حالها حتّى وإن بانت لها طريقة وأهداف استغفالها؛ وتعدّ ذلك من التّمحيص المطلوب، ولله في خلقه شؤون وشؤون.

Twitter: @Fahad_aljabri

Email: Al-jbri@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي