جنبلاط الأكثر حضوراً وفارس سعيد.. الأجرأ
«العصفور الأزرق» بين أيدي «صيادي السياسة» في لبنان
مع ثورة 17 أكتوبر 2019 وما سبقها وتبعها، أخذتْ مواقعُ التواصل الاجتماعي تنمو في صورة مضطردة في لبنان، وتحوّلت وسيلة فاعلة لتزخيم الثورة وتأليب الرأي العام وحشْد المتظاهرين.
وبقدر ما استفاد اللبنانيون من هذه المواقع، حوّل السياسيون منصاتها وسيلةً فاعلةً كذلك لإيصال صوتهم والتعبير عن آرائهم، رغم أنهم في المبدأ غير ممنوعين من الكلام أو التعبير، والإعلامُ المرئي والمسموع والمكتوب يتسابق لنشر تصريحاتهم، ولا سيما أنه في «توزيعه» السياسي يشكّل منبراً لأحزابهم وتوجُّهاتهم.
ورغم ذلك تَحَوَّلَ «تويتر» أحد أكثر الوسائل فاعلية وحضوراً لدى فئة من السياسيين باتتْ تجد فيه «طريقاً سريعاً» للوصول إلى القسم الأكبر من حَمَلَة الهواتف الذكية، بعضهم جَعَلَه منصةَ رأي وبعضهم وسيلةً للتعليق، وبعضهم الآخر لكشْف بعض المداولات. لكن غالبيتهم تعاملوا معه على أنه أداة إعلامية لبث أخبارهم وتعليقاتهم وخطبهم. وهنا برز الفارق بين الجيوش الالكترونية والسياسيين. فجيوش الأحزاب تعاطتْ مع تويتر كمتنفس لتفجير غضبها ومعارضتها لخصومها أو لشنّ حملات تأييد لسياسيين من المحور نفسه، كما فعل الأمر عيْنه فنانون وإعلاميون واقتصاديون.
لكن السياسيين ظلّوا حذرين في التعامل مع «تويتر» بغير أسلوب الإعلام المكتوب أو المرئي والمسموع. ما عدا قلّة منهم، وأوّلهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي بدا لمرحلة طويلة أكثر السياسيين نشاطاً على صفحات «العصفور الأزرق».
ومنذ أن اعتمده وسيلة للتعبير بدءاً من 2014، يستخدم جنبلاط تويتر للإبداء عن آراء ونشْر صور وتعليقات ساخرة وأحياناً مواقف معبّرة عن مناسبات سياسية. وتحوّلت تغريداته اللاذعة والتهكمية عنصر جذْب لجمهور إضافي، وهو لم يتوانَ عن مشاركة متابعيه العديد من الصور الخاصة وبعضها لرحلات قام بها مع عائلته، وأخيراً لزفاف ابنته داليا.
و«يتجرأ» جنبلاط على تفعيل خاصيةِ السماح لمتابعيه كافة بكتابة تعليقات على ما يكتب، فيما يَمنعها البعض الآخَر من السياسيين والصحافيين.
وبعد جنبلاط يكاد يكون النائب السابق فارس سعيد الأكثر نشاطاَ بين السياسيين على «تويتر» الذي انضمّ إليه عام 2012. ويكاد سعيد أن يتصدّر لائحة مَن تتعقّبهم الجيوش الالكترونية، وهو دائماً يحييها لنشاطها المبكر في الردّ عليه «منذ الفجر». وقد حوّل تويتر منصة للتعليق على الأحداث السياسية من موقع خصومته لحزب الله ومطالبته بـ «رفع الاحتلال الايراني عن لبنان»، وهو الشعار الذي يعتمده في حملاته السياسية.
ما يميّز جنبلاط وسعيد أنهما يعبّران بطريقة مختصرة، أي بأسلوب تويتر، عن رأي وفكرة وموقف، وهما معنيان مباشرة بصوغ ما يكتبانه على المنصة الافتراضية، ولا يستخدمان فريق عمل في إطار الحملات السياسية، كما يفعل كثير من السياسيين الذين يتعاملون مع «العصفور الأزرق» كوسيلة إعلامية، مثلاً للتذكير بإطلالة أو نشر مقتطفات من الخطاب السياسي.
وهكذا يتعامل مثلا الرئيس سعد الحريري الذي يطلّ (فريقه الاعلامي) في مناسبات معيّنة ليقدّم تهان بالعيد أو تعازيه بشخصية رحلت، أو لينشر صورة لقائه الأخير مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان. تماماً كما حال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وفريقه مع «تويتر» أو رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الأكثر نشاطاً عبر كل منصات التواصل الاجتماعي. وهو إذ يخصص إطلالةً عبر الفيديو تحت عنوان «دقيقة مع جبران» يعبّر فيه عن الموقف السياسي بحسب اللحظة ومقتضياتها، غالباً ما يكتفي في المقابل بالشقّ التغريدي على «تويتر» بمعاودة نشر خطبه أو مضامين مقابلاته التلفزيونية.
في جردة عامة على بعض الأسماء البارزة سياسياً، فإن غالبية الوزراء والنواب يكررون الأمر ذاته. فنواب الكتل السياسية ينشرون على «تويتر» آراءهم التي سبق أن أدلوا بها في جلسة نيابية أو إطلالة اذاعية وتلفزيونية. وينشط هؤلاء فقط على تويتر عند حدوث أي حملة سياسية. فاذا حصل تَبايُن بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» مثلاً، يتولى جهازٌ واحد توزيع مواقف وردود لنواب التيار عبر «تويتر» على «القوات»، والعكس يحصل من جهة القواتيين. وكذلك حين يندلع سجال حاد بين القوات وحزب الله أو بين التيار الوطني وحركة «أمل».
فالأحزاب تُمْسِك بزمام سياسييها عبر تويتر، فيكاد الواحد منهم لا يدلي برأي خاص من دون ماكينة إعلام حزبه أو جهاز الإعلام، كما يحصل مع نواب حزب الله مثلاً، المنضبطون تحت لواء الموقف الواحد للحزب الذي برز انضمام نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم الى تويتر منذ يوليو الفائت وبدأ يغرّد من حين الى آخَر متناولاً قضايا اساسية كالترسيم البحري وانتخابات الرئاسة والعقوبات الأميركية.
و في حين ينشط سياسيون مستقلّون للتعبير عن آرائهم والتعليق على حدَث سياسي في لحظته كما يفعل مثلاً الوزير السابق وئام وهاب أو النائب جميل السيد، فإن المفارقة أن تويتر يشكل بالنسبة إلى بعض الطبقة السياسية بطاقةَ معايدة أو تهنئة، على غرار ما حصل أخيراً مع فرقة «مياس»، إلى حد أن سياسيين غير ناشطين على تويتر سارعوا الى تقديم تهنئتهم، وقد تكون عباراتهم في هذه المناسبة آخِر ما نشروه عبر هذه المنصة منذ سبتمبر الماضي.
لم يتحوّل تويتر بعد لدى الساسة اللبنانيين الى الغاية التي تأسس لأجلها عالمياً، في الوقت الذي استخدمه جمهورهم منصة للسباب وتقاذف الشتائم أو شنّ حملات هوجاء ولو بعدد الأحرف والكلمات المحددة لكل... «تغريدة نار».