«المفتي» القانوني والاقتصادي يتقاعد بعد نصف قرن من العطاء المتميّز
ماجد «الغرفة» حامل المفاتيح... يستريح
ربما كانت المرة الأولى منذ خمسين عاماً، التي يجد فيها المستشار ماجد جمال الدين نفسه خارج دائرة المشاورات، التي تدور في غرفة تجارة وصناعة الكويت. أشياء تدور حوله دون علمه أو حتى أخذ مشورته كما يجري التقليد، وكأن الجميع قصدوا تعمداً عدم إشراكه في ما يجري.
همزاً هنا وهناك، حديث خافت بين المسؤولين يشارك فيه رئيس مجلس الإدارة محمد الصقر في طرقات «الغرفة» ثم يتوقف فجأة بمجرد مروره.
وقبل أن يتحول الاستغراب إلى شك، علم «بو بدر» أن من كان يصنع الخبر هو الخبر، وأن كل ما دُبّر خارج راداره كان بغرض إعداد احتفال يليق بتقاعد حامل مفاتيح «الغرفة» لنصف القرن وكاتم أسرارها وعاشق تفاصيلها ومدقّق قاموسها وحكيم قراراتها.
ماجد جمال الدين مستشار غرفة تجارة وصناعة الكويت جمع بين هدوء الطبع الذي لا يبقي له عدواً، وصراحة الموقف التي تجعله يستعيد قول الإمام علي «ما أبقى لي الحق صاحباً».
معارضوه قبل محبّيه، يشهدون له بفرادة الشخصية وتميّزها، ويعترفون ضمناً بأنه «المفتي» القانوني والاقتصادي الذي ما تحدث عن شيء إلا وكانت المصلحة العامة نصب عينيه، لذلك خاض الرجل سباقاً مستمراً بين مساحة الاحترام التي كبرت، وبين اللحاق بأمانة المسؤولية التي كلّف بها، حتى آن أوان الترجل بعد مسيرة كُتبت بأحرف من ذهب.
وإذا كان عبدالجبار بن الحسن النفري، أحد أبرز علماء التصوف والفلسفة والأدب، يرى أن العبارة تضيق كلما اتسعت الرؤية، فإن ماجد جمال الدين كان ومازال أمير العبارة يطوّعها ويجملها ويوجهها في الإطار الذي يخدم رؤيته التي ما اتسع لها فضاء.
لا لغة أجمل من التي يعبر بها ولو كانت المواضيع قاسية مثل الاقتصاد والسياسة والبيانات المالية، لذلك كان مدرسة تعبير يعرف المرء من مفرداتها فوراً أنه معدّ النصوص وباني أفكارها.
ومن جمال اللغة إلى جمود الأرقام... عزيمة واحدة، فمع نشأته بين الرعيل الأول من تجار الكويت تعلّم أن يكون رجل أرقام، وأن العمل العام غير المرتكز على وقائع وحقائق أشبه بالقصائد التي تبني بيتاً شعرياً وتهدم بناءً اقتصادياً.
كل من تعامل معه لمس في مقارباته الاقتصادية والمالية أنه رجل الوجهات الصحيحية القادر على الحوار الهادف دون إغفال أهمية وجهة النظر المقابلة لإحداث التوازن الدقيق وإن اختلف معها، فالمهم لديه الوصول بنجاح إلى الخطوط الآمنة.
محطات مضيئة كثيرة تحمل توقيع ماجد جمال الدين، ومن باب التقريب ربما كان مفيداً استذكار أزمة 2008 التي ضربت غالبية أسواق العالم، حيث شارك في عضوية اللجنة الحكومية المشكلة برئاسة محافظ بنك الكويت المركزي وقتها الشيخ سالم عبدالعزيز الصباح في إعداد قانون تعزيز الاستقرار المالي والذي تضمن مخارج اقتصادية آمنة للكويت، وقد تحقق ذلك.
وليس سراً أن مستشار «الغرفة» هو خزنة تفاصيلها بعدما قضى 50 عاماً من العمل والمساهمة في ترسيم حدودها الاقتصادية والقانونية، ليترك خلفه قبل أن يتقاعد كياناً صاخباً يختزن من التحديات والإنجازات الشيء الكثير.
حاول بوبدر في احتفال تكريمه أن يكتم عبرته، فجميع الموجودين حوله يذكّرونه بقصة أو بمشروع قانون أو إنجاز اقتصادي، أو حتى خلاف واتفاق على مصلحة الكويت، لكن «حامل المفاتيح» يسلّمها لجيل آخر مطمئناً إلى أن ما أسهم في زرعه أينع، وأن التطور سنة الحياة، وأن الدماء الجديدة تبقي قلب «الغرفة» نابضاً بالإنجازات.