No Script

أما بعد...

الغاية وتبرير الوسيلة

تصغير
تكبير

هذا المبدأ الذي وضعه وتبناه نيكولو مكيافيلي، المفكر والفيلسوف والسياسي الإيطالي في القرن السادس عشر، حيث يعتقد أن صاحب الهدف أو صاحب أي مشروعٍ سياسي، باستطاعته أن يستخدم الوسيلة التي يريدها أيا كانت وكيفما شاء من دون قيدٍ أو شرط. فكان هو أول من اعتمد وأسس لقاعدة الغاية تبرّر الوسيلة.

واعتبرت هذه القاعدة المستحدثةُ الفريدةُ، هي المحطةُ الأولى التي ينطلقُ منها كل سياسيٍ «ديكتاتوري»، حيث يضعها نصب عينه ويتبناها ويعتمدها في حياته لتبرر له الاستبداد والتفرد بالقرار وممارسة الطغيان والفساد الأخلاقي والمالي.

ويرى مكيافيلي ضرورة استخدام العنف والقوة من قبل القائد السياسي مبرراً ذلك بأنه يولد الخوف، والخوف أساسي من أجل السيطرة على الشعوب «حسب اعتقاده»، ومن لم يفعل ذلك لا يعتبره قائداً سياسياً ناجحاً.

لكن هل من المعقول أن يُترك المرء لاختيار أيّ وسيلة يريدها من دون أن يضع لها معايير تحفظ المجتمع من الدمار والقتل والتفكك والفساد والضياع، فتصبح الحياة مليئة بالفوضى بعيدة كل البعد عن النظام الذي يحفظ الأمن والأمان.

كيف لحياة أن تقوم على قاعدة تسلب الأمن والأمان من الحياة اليومية وتكون مبرراً لقوى الفساد في الغلو في فسادها؟

وإن كانت الغاية تبرّر الوسيلة، فلينظر كل واحد منا إلى نفسه، ربما يجد أنه يتبنى هذه القاعدة عملياً في مكمن سره، فلا ينظر إلى الوسائل التي توصله لغاياته من حيث القيم والمبادئ والمشروعية.

السؤال الذي يطرح نفسه، إن كان لهذا المبدأ كل هذه الأضرار، فهل نستطيع إلغاءه من حياتنا، ونعتبره مبدأ خاطئاً لا يصح بأي شكل من الأشكال؟

أولاً، من البدهي أن صاحب الغاية النبيلة يبحث في البداية عن الوسائل السليمة المعروفة والصحيحة، وصاحب الغاية الذي لا يحمل الخير للناس ومجتمعه وبيئته، يبحث من دون تردد عن أي وسيلة توصله لغايته الخبيثة، ولا يبالي مهما حملت تلك الوسائل من أضرار ومخاطر على المجتمع.

وتجدر الإشارة إلى أن كثيراً من الناس لا يفرق بين مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة» وبين القاعدة الشرعية «الضرورات تبيح المحظورات».

مبدأ الغاية تبرّر الوسيلة، هي ليست مقيدة بشروط ومعايير وفتحت الباب على مصراعيه، ومكيافيلي فسّرها تفسيراً يدل على عدم تقييدها بأي شروط... أما قاعدة الضرورات تبيح المحظورات فهي حتماً مقيّدة بشروط ومعايير ولها ضوابط شرعية يصبح حينها المحظور مُباحاً...

كالتورية في بعض الحالات والكذب في الإصلاح بين الناس.

وعندما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لنعيم بن مسعود -رضي الله عنه-:«الحرب خدعة»، فقد قيدت الخدعة في حالة الحرب، فاعتبرت حالة استثنائية لا تصح إلّا بموجب الحرب.

يمكننا أن نعدّل على القاعدة الأولى فنقول، إنّ الغاية (قد) تبرّر الوسيلة إن كانت الغايات نبيلة والوسائل مشروعة... وإنّ الوسائل المشروعة يجب أن تكون مقيّدة وتسير في فلك الضرورات التي قد تبيح المحظورات.

Twitter: @Fahad_aljabri

Email: Al-jbri@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي