الدعوة المغربيّة... فرصة أخرى للجزائر

تصغير
تكبير

فشلت قمة الجزائر لسبب في غاية البساطة، يتمثّل في أن الجزائر لا تستطيع تصوّر أن حضور الملك محمّد السادس القمّة، كان السبيل الوحيد لإنجاحها.

هل تتمكن الجزائر، مع انتهاء القمة بالطريقة التي انتهت بها، في انقاذ ماء الوجه، بتلبية الدعوة الموجهة من العاهل المغربي إلى الرئيس عبدالمجيد تبون لزيارة المملكة؟

قد يكون السؤال المناسب، هل يسمح العسكر لتبون بالذهاب إلى المغرب للدخول في حوار عقلاني يسمح بالعودة إلى الحدّ الأدنى من المنطق؟

يفرض العودة إلى المنطق عاملا التاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة، إضافة في طبيعة الحال، إلى حاجة ملحّة لدى الجزائر إلى الخروج من أزماتها الداخليّة والخروج من لغة المزايدات والشعارات الخالية من أي مضمون؟

في الواقع، لا يستطيع النظام تصوّر أنّ ملك المغرب، على العكس منه، على علاقة مباشرة بالشعب الجزائري.

المشكلة في أنّه لا يمكن للنظام الجزائري مواجهة الحقيقة المتمثلة في أنّ حربه على المغرب ليست سوى حرب مفتعلة تستند إلى اختلاق قضيّة مثل قضيّة الصحراء التي يعرف العالم في معظمه، بمن في ذلك الجزائريون، أنّها صحراء مغربيّة.

بات على النظام الاستعانة، من أجل متابعة حربه على المغرب، بإيران وطائراتها المسيّرة التي تشكّل تهديداً للأمن العربي من المحيط إلى الخليج.

لا تدري الجزائر أن الأمن العربي واحد وأن لا فارق بين مسيّرات إيرانية تطلق من اليمن، عن طريق الحوثيين، ومن ايران نفسها، في اتجاه المملكة العربيّة السعوديّة، وبين مسيّرات إيرانيّة قد تطلقها «بوليساريو» يوماً في اتجاه الصحراء المغربيّة.

لم يستطع النظام الجزائري الخروج يوماً من عقدة المغرب. كان يريد قمّة تحت شعار «لم الشمل العربي»، في حين لا يستطيع لم شمل الجزائر نفسها، أي التصالح مع الشعب الجزائري، كما لا يستطيع القيام بأي خطوة تصبّ في مصلحة الاتحاد المغاربي الذي أصرّ على تجاهله، علما أنّه يعرف تماماً أن في أساس هذا التجمّع الإقليمي، الذي لم يعش طويلاً، وجود تفاهم بين المغرب والجزائر أوّلاً.

لم يستطع النظام الجزائري الخروج من اللغة الخشبية التي تذكّر بانتمائه إلى المنظومة السوفياتية، علما أن الاتحاد السوفياتي نفسه لفظ أنفاسه الأخيرة مطلع العام 1992، أي قبل ما يزيد على ثلاثة عقود.

لا يزال النظام الجزائري يعيش في الماضي متجاهلاً أنّ العالم تغيّر من جهة وأن مشكلته الحقيقية مع الشعب الجزائري من جهة أخرى.

عمل النظام الجزائري كلّ ما يستطيع من أجل جعل الملك محمّد السادس يعيد النظر في حضور القمّة. كيف يستطيع ملك المغرب حضور قمّة عربيّة في بلد لم توفّر السلطات فيه أي وسيلة للإساءة إلى الوفد المغربي بمجرد طرح موضوع علاقة ايران بـ«بوليساريو»، أي بالنظام في الجزائر.

ليس سرّا أن «بوليساريو» هي النظام الجزائري، كما أنّ النظام هو «بوليساريو». مهما سعى النظام إلى التذاكي على العالم، لا وجود لرجل عاقل يجهل أن لا وجود لمثل هذه المنظمة من دون الجزائر التي افتعلت قضيّة الصحراء المغربيّة من أجل إيجاد كيان مصطنع يؤمن للجزائر ممراً إلى المحيط الأطلسي على حساب المغرب ووحدة أراضيه.

أمام الجزائر فرصة وفّرها لها محمّد السادس كي تستعيد وعيها وتخرج من عقدة المغرب الذي استطاع أن يكون دولة طبيعية ذات مؤسسات راسخة، دولة الهمّ الأول فيها رفاه الشعب المغربي والانفتاح على العالم بدل الاعتقاد أنّ في الإمكان ابتزاز هذا العالم.

كشف النظام الجزائري من خلال الطريقة التي تعاطى بها مع الوفد المغربي أنّه لا يريد التعلّم من تجارب الماضي القريب. يظن أن مجرّد وجود أزمة طاقة في العالم يسمح له بلعب دور مهيمن في المنطقة، علما أنّ مثل هذا الارتفاع في سعر الغاز والنفط فرصة كي يغيّر النظام سلوكه.

هناك فرصة أمام الجزائر كي تطور نفسها. الخطوة الأولى في هذا الاتجاه تكون في إعادة النظر في موقفه من الشعب الذي برهن المرّة تلو الأخرى في السنوات القليلة الماضية أنّه في قطيعة كاملة مع النظام.

تؤكّد ذلك لغة الأرقام التي عبرت عنها نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية والاستفتاء على الدستور الجديد، وهو دستور ليس فيه جديد، خصوصاً في مجال الممارسة والتعاطي مع المواطن.

تسعى الجزائر حالياً إلى عقد صفقات سلاح مع روسيا بقيمة نحو 12 مليار دولار. ما الفائدة من هذا السلاح غير حصول جهات نافذة على مبالغ محترمة من عمولات على ما يشبه الخردة أكثر من السلاح؟

يستحيل على الجزائر القيام بالنقلة النوعيّة التي يفترض به القيام بها.

يعود ذلك إلى طبيعة النظام الذي لم يستوعب يوما لماذا فشلت كل الثورات الداخليّة التي قام بها منذ قيامه اثر الانقلاب العسكري الذي نفّذه هواري بومدين في العام 1965.

فشلت الثورة الزراعية وفشلت ثورة التعريب والتخلي عن اللغة الفرنسية.

نسي الجزائريون الفرنسيّة ولم يتعلّموا العربيّة... وفشلت الثورة الصناعية.

يبقى الفشل الأكبر متمثلا في الاستثمار في «بوليساريو» من اجل شنّ حرب استنزاف على المغرب، وهي لعبة باتت مكشوفة، بل مكشوفة اكثر من اللزوم امام العالم كله ومعظم العرب.

ثمة فرصة أخرى ستضيع على الجزائر، فرصة كي تعوض فشل القمّة العربيّة التي دعا اليها والتي تميزت بالحضور الخليجي المتواضع من جهة والسقوط في الفخ الإيراني من جهة أخرى.

لم تقدم القمّة ولم تؤخر، بل تبيّن أن الرئيس تبّون مازال أسير العسكريين الذين أوصلوه إلى الرئاسة.

سيثبت تبّون في حال استطاع الذهاب إلى المغرب أنّه استطاع فك أسره... كما سيثبت أن في استطاعة النظام تطوير نفسه وأنّ ذلك ليس من رابع المستحيلات.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي