ما إن أعلنت وزارة الخارجية المغربية أن الملك محمد السادس لن يشارك شخصياً في قمة الجزائر حتى تأكد للمراقبين مرة جديدة كم أن السلطة في الجزائر تتفوق على نفسها في حصد أوسمة الفشل... واحداً تلو الآخر.
فرغم كل ما بدر من الجزائر تجاه المغرب في السنوات السابقة إلا أن القيادة المغربية حرصت على عدم قطع حبل المودة مع الجزائريين الذين تعتبرهم عمقاً شعبياً واستراتيجياً، وكانت كلمة الملك محمد السادس الأخيرة في يوليو الماضي مفاجئة للجزائريين وحدهم حيث توقعوا أن تتضمن بعضاً مما تتضمنه الأدبيات السياسية والإعلامية الجزائرية تجاه المغرب، لكن الملك طلب من المغاربة مواصلة نهج قيم حُسن الجوار «مع الجارة الجزائر»، متوجها إلى الجزائريين بالقول إنهم «سيجدوننا بجانبهم في جميع الظروف والأحوال»، مؤكدا أن المغرب لن يسمح لأحد بالإساءة «إلى أشقائنا الجزائريين»، ومتطلعا «للعمل مع الرئاسة الجزائرية، لأن يضع المغرب والجزائر يدا في يد، لإقامة علاقات طبيعية، بين شعبين شقيقين، تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية، والمصير المشترك».
هذا الكلام سبقه من الجانب الجزائري، وتبعه، تحركات مكثفة لتسخين موضوع انفصال الصحراء بل وتسويق البوليساريو لدى بعض الدول العربية والأجنبية. هذا الملف الذي يمس أمن واستقرار وسيادة المغرب بالدرجة الأولى لم تتوقف الجزائر عن استخدامه ورقة خارجية تبرّر بها تراجع الأوضاع الداخلية على مختلف المستويات رغم الثروات الطبيعية التي تنعم بها واحدة من أكبر الدول في شمال افريقيا. وكلما ازداد الالتفاف الخليجي والعربي والدولي حول المغرب في قضية سيادته على أراضيه كلما شعرت السلطة في الجزائر أن الورقة الخارجية التي تستخدمها مهددة، وأن احتراقها سيعيد الأزمات الداخلية الى الواجهة، ولذلك تمارس لعبة الهروب إلى الأمام ولو كان ذلك على حساب التعاون بين الدولتين ومصلحة الشعبين بل ومصلحة الجزائريين في الدرجة الأولى.
وأكمل المغرب إظهار حسن نيته بإعلان استعداد الملك محمد السادس للمشاركة في القمة العربية، لكن «من شب على شيء شاب عليه» في ما يبدو، اذ لم تلتقط الجزائر هذه الإشارة المهمة التي قد تكون فاتحة خير في علاقات مستقبلية مختلفة، وعمدت بدلاً من ذلك إلى ممارسة كل أنواع الاستفزاز للجانب المغربي، بدئاً بحجز الوفد الإعلامي المغربي المكلف تغطية القمة لست ساعات في المطار ثم مصادرة أجهزته وكاميراته والسماح له بالدخول لاحقاً إنما من غير الصفة الإعلامية، ومروراً ببث تلفزيون جزائري خريطة للدول العربية خلال انعقاد مجلس وزراء الخارجية لتحضير جدول الأعمال لا تلحظ وجود الصحراء المغربية داخل حدود المغرب. ورغم الاعتذار والتدخلات العربية لحل هذه الإشكالية إلا أن المغرب اعتبرها «إمعاناً» في الاعتداء السياسي عليه.
هذا الفشل الجزائري الجديد لا تنحصر نتائجه في حدود العلاقة مع المغرب فحسب، بل هو يعطي مؤشراً نافراً للدول العربية وفي القلب منها الخليجية على طريقة التعاطي السياسي معها. خصوصا أن القمة كانت مبرمجة لفرض أمر واقع عنوانه عودة النظام السوري الى الجامعة العربية من الباب الجزائري وهو الأمر الذي لم يحصل، يتبعه عنوان آخر يتعلق بالعلاقات العربية الإيرانية حيث تشهد الجزائر «أشهر عسل» مع طهران منذ عقود، وربما كان من بعض نتائج تلك «المحبة» أن اكتشفت السلطات المغربية قبل سنوات خلية لحزب الله مع أسلحتها عند البوليساريو... ناهيك عن استمرار الجزائر في لعب دور الوريث للأنظمة الثورية الداعمة لما يسمى حركات التحرر في العالم أو الدول الثورية مثل فنزويلا وغيرها حيث الثروات من نفط وغاز حاضرة فيما الإدارة السليمة والنزيهة والشفافة لهذه الثروات غائبة.
من يسمع خطابات الملك المغربي يجد أن غالبيتها المطلقة تتمحور حول الإنسان المغربي. حياته، مستقبله، مواجهة التحديات المعيشية والاجتماعية، الاهتمام بالشباب، التنمية المستدامة، المشاريع الاقتصادية... وعندما يواجه تدخلاً إقليمياً في شؤونه الداخلية عبر الاستمرار في تحريك ورقة الصحراء وما يتخللها من اعتداء سياسي قد يترجم فعلا أمنياً في أي لحظة يرد بالدعوة إلى أفضل العلاقات مع الجزائريين مطالباً بعدم الإساءة إليهم وكأنه يقرأ الآية: «لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليكَ لأقتلك إني أخافُ اللهَ ربَّ العالمين».
لتبحث السلطة في الجزائر عن حلول لمشاكلها في الداخل الجزائري، أما معاداة المغرب فلن تفيدها في شيء بل سترخي ظلالا سلبية على علاقاتها بدول كثيرة تؤيد الحق الطبيعي للمملكة المغربية في بسط سيادتها على أراضيها.