No Script

سافر إلى ذاتك

القطو يحب خناقه

تصغير
تكبير

«دكتورة زوجي يضربني ضرب مبرح لأنه وايد عصبي وحارمني من حياتي ومن نفسي وحابسني بالبيت ما أقدر أطلع ولا حتى أعيش حياتي خارج أسوار بيتي، عنده مبدأ المرة ما تطلع من بيتها ويتلفظ بكلام بذيء على طول الوقت حتى على اهلي يغلط، صار لي 15 سنة على هذا الحال. هل انا مريضة؟».

كانت هذه العبارة التي بدأت فيها بمحادثتي عن زوجها، من الوهلة الأولى أو كمشاهد قد ترى أن البيوت قامت على صبر النساء كما هو متعارف عليه في بعض الحوارات الزوجية عند الصديقات أو المعارف، وقد تأخذ خطاً دفاعياً لا يجوز وغير مقبول ويجب أن تؤدبه وتأخذ موقفاً. وهذا أيضاً متعارف عليه كرد فعل آخر، وهناك ردود فعل متناقضة وتفارقية في تحليل وتشخيص الكلام السابق.

وحقيقة الأمر، هي أن هناك متلازمة تدعى ستوكهولم، وهي اشتهرت بهذا الاسم نتيجة الحادثة الأولى التي كشفت عن هذه المتلازمة والتي حدثت في سنة 1973 في مدينة ستوكهولم، عاصمة السويد، هذه المتلازمة جاءت بعد قصة أثارت ضجة في الوسط النفسي، وهيجت المختصين النفسيين في أفكارهم ووجهت كل طاقاتهم لتحليل وتفسير تلك القصة.

ما حدث بشكل مختصر، كان هناك عصابة قررت الاستيلاء على بنك في ستوكهولم، وعندما تم إفشال هذه المحاولة من الشرطة قررت العصابة احتجاز رهائن والتهديد بقتلهم حتى لا تتمكن الشرطة من اقتحام البنك، استمر هذا الأمر 6 أيام عاش بها اللصوص مع الرهائن داخل البنك.

وبينما كانت الشرطة تقوم بجهودها لإنقاذ الرهائن طوال الأيام الستة، اكتشفوا بعد إتمام إنقاذهم أن الرهائن دافعوا عن اللصوص ورفضوا الشهادة ضدهم ودفعوا مبالغ لحل قضيتهم وطالبوا بالإفراج عنهم وتعاطفوا معهم وأحبوهم. والمضحك بهذا الأمر والمبكي باللحظة ذاتها حديثهم بالإعلام عن حسن معاملة اللصوص لهم!

نقف هنا (!)، اللصوص الذين سلبوهم حريتهم وأرعبوهم وأخافوهم وهددوهم بالقتل يتحدثون عنهم على أنهم أناس خيرون وأنهم لطفاء ورائعون.

ولأن ردة الفعل الغريبة وغير المنطقية هذه كفيلة بصنع ردة فعل منطقية وهي إثارة المنظومة النفسية في المجتمع لتجنيد الكثير من المختصين لتفسير هذه الظاهرة وتحليلها ومعرفة تحولاتها في المواقف الحياتية التي تمر بالفرد في حياته.

وبعد اجتهادات وملاحظات دقيقة ومسح واستبيان، توصل الباحثون أن هذه المتلازمة تحدث كغسل مخ للضحية، فهي تكون كالتالي: ضحية وجانٍ، يقوم الجاني أو الظالم بمهمة التعذيب النفسي وإرعاب الضحية وسلبه كل شيء كحريته وحياته ووقته وعقله والعمل على ايهامه أن ما يقدمه له بعد عملية السلب تلك مِنّة وفضل عليه، وأمر يتطلب الشكر والثناء والتقدير، وليس حقاً مطلقاً للضحية كان قبل ذلك. ولأن الضحية لا ترى أنها ضحية بتاتاً بل ترى أن السالب طيب وحنون وأعطاها الحياة وكان بإمكانه أن ينهيها، وهذا يقع تحت غريزة البقاء التي تجمع الاثنين أو جمعت اللصوص بالرهائن في حادثة ستوكهولم، فتعاطف الرهائن مع اللصوص وأحبوهم. ولأن المسلوب لا يفكر بكيف تم سلبه وكل تفكيره بكيف يسترجع ما سُلب منه يصبح أسير هذه المتلازمة بمشاعر كاذبة وشعور غير صادق وطريقة تفكير بعيدة عن الحقيقة.

وكمثال توضيحي وواقعي حدث على أرض الواقع: ما حدث للفتاة اليزابيث فريتزل التي احتجزها والدها في قبو لمدة 24 سنة، خلال تلك المدة كان يعتدي عليها فأنجبت 7 أطفال كانت تعيش مع 4 منهم في القبو وكان والدها وزوجته وبقية أولادها يعيشون في المنزل. وقد كانت بعمر 18 سنة حين حبسها والدها وأغلق عليها الحياة. أُصيبت بهذه المتلازمة ظناً منها أن كل ما يقدمه لها أبوها كان عطاءً، متناسية أو مغيبة أنه هو ذاته من سلب حياتها في الكامل ودمرها أيضاً.

ومثال آخر، عندما يهدد الزوج بالزواج الثاني أو الطلاق ولا يفعل ذلك مع الاستمرار بالظلم والقهر والضرب والإهانة، تشعر الزوجة أن الزوج حنون وطيب، ولكن بالكويتي (لسانه طويل وما يثمن كلامه) متجاهلة أن حقوقها كبشر وكإنسانة مسلوبة تماماً.

وهذه المشاعر بحب الجاني أو الخاطف أو المؤذي أو السالب هي استراتيجية وقائية للمحافظة على البقاء وآلية تكيف يستخدمها العقل لحماية الشخص سببها الصدمة والخوف الشديد وتحدث نتيجة الشعور بالتهديد والرعب، ومن ثم عدم رد الأذى الذي تم توجيهه للمعتدى عليه من قبل المعتدي، مع تزامن الشعور بالعجز واليقين بعدم القدرة على التعايش في الحياة بعد غياب الظالم أو السالب، مع غيبوبة فكرية عن رؤية الجانب الآخر أو المضاد من الأمر تكون النتيجة هذه المتلازمة، وأفضل طريقة لحلها هو الدعم النفسي والاجتماعي واستخدام الطريقة السقراطية كفنية علاجية (لدى الاخصائيين النفسانيين).

نعود لقصتنا، وماذا كانت ردة فعلك تجاه الأمر؟

الزوجة المضروبة: دكتورة ألجأ لأهلي ويوقفون معاي ويوعدوني يلقون لي وظيفة، ويحسنون حياتي ويطلقوني منه، لكن كل ما أروح لهم أرد أتراجع عن قراري بسرعة وانحاش من أهلي وأعود لزوجي وكلهم ينصدمون مني ومحد قام يوقف معاي ولا يهتم حق إهاناته لي.

أتوقع إنكم مصدومين مع أهلها!

لأن القطو يحب خناقه.

مع تحيات

متلازمة ستوكهولم؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي