No Script

رأي قلمي

رعاية خاصة...!

تصغير
تكبير

في مسيرة الحياة نبني علاقات كثيرة وموزعة على دوائر ومستويات عدة، فمن خلال المشي في الطريق نبني علاقات عابرة وواسعة جداً، وهناك علاقة أضيق وأعمق ينشأها الواحد منّا وهي علاقات اختيارية خاصة، وهي ما يسمى بالصداقة، ولتلك العلاقات سواء العابر منها أو الضيق والعميق رعاية خاصة تتجسد في حقوق وآداب.

إن حاجة الإنسان إلى شخص يقيم معه علاقة خاصة ومتميزة، حاجة ماسّة، ففي ذواتنا ثغرات كبيرة لا تسد إلا عن طريق هذا الشخص الصديق الذي نأنس به، ونطمئن إليه، ونرى فيه الإنسان الموافق في الرخاء والمؤازر في الشدة، والذي نشعر بثمرات صحبته دون أن يثقلنا بتبعاتها، هذا الصنف من الأصدقاء لا يظفر المرء في العادة بعدد كبير منه، وإذا تهيأ لأحدنا أربعة أو خمسة منه فهو محظوظ. قال القاسم بن محمد: «قد جعل الله في الصديق البارّ المقبل عوضاً عن ذي الرحم العاقّ المدبر».

الذين يفقدون معنى الصداقة الحميمة في حياتهم، يتعرضون لأعظم الصعاب في مسيرة الحياة. وأشواق الإنسان إلى أن يكون له صديق حميم، أشواق فطرية أصيلة، ونعتقد أننا نملك القدرة على الحصول على ذلك، لكن لا بد من بذل الجهد والتضحية، لأن لابد من الدفع في مقابل الأخذ. وإذا شعر الإنسان أنه ليس لديه صداقات حميمة، أو أن علاقاته الأسرية، أو صِلاته بأرحامه، ليست بتلك التي تشبع تطلعاته، وتشعره بالأمان، فإن عليه أن يبحث في أسباب ذلك. سنذكر بعض الأسباب التي تجعلنا لا نظفر بصديق حميم، على سبيل المثال وليس الحصر، فإن حدة المزاج، وتعكره من أجل أشياء لا تعد مثيرة في العرف العام أو لدى ذوي المزاج المعتدل، ما يحول دون تآلف الناس، ومما يدعو الكثيرين إلى الابتعاد. التفتيش عن أخطاء الآخرين ومتابعتها، والإسراف في نقدهم، وإظهار السئم والضجر من أوضاعهم، ما ينفر الناس، ويشتت الأصدقاء.

كثرة الثرثرة والإفاضة في الكلام، ما يجر غالباً إلى إفشاء الأسرار، وإلى النميمة، فعندما يخلو وفاض الثرثار من الأخبار لا يجد ما يخوض فيه إلا سِيَر الناس ومشكلاتهم. وهذه الحالة سببها غالباً قصور في الثقافة والتعليم، ورقة في الدين، وإحساس بالنقص، فالنمّام يسعى إلى احتلال مركز الدائرة عن طريق النميمة، حيث لا شيء آخر لديه. ومهما حاول النمام التستر فإن أمره في النهاية إلى انفضاح، فيسقط من عيون الناس، ويخسر جلّ أصدقائه. الأنانية والتطرف في حب الذات، من الأسباب الأساسية للإخفاق في تكوين صداقات جيدة. جوهر الأنانية مضاد تماماً لجوهر الصداقة الحميمة التي تقوم على المشاركة والاعتماد المتبادل. الأناني ليس لديه ما يقوله سوى الإشارة بما له صلة به، وليس لديه ما يهتم به سوى ما يعود عليه بالنفع الخاص، وحين يجد فرصة ما فإنه ينسى من يمكن أن يشاركه فيها من أصدقائه. الأنانية حالة مستمرة من العمى عن كل شيء إلا النفس والمصالح الخاصة.

لذا، فلابد من توافر بعض الصفات الأساسية في من نختاره لعلاقة خاصة، ويأتي على رأس تلك الصفات الاستقامة والالتزام، فهما الأرضية العريضة والصلبة التي تتشكل عليها كل السمات الأخرى المطلوبة. أضف إلى هذا توافر درجة مقبولة من التفتح والجديّة والحرص على الوقت والإيثار وبذل المعروف والشفافية والتعاون والصراحة، وعدم سيطرة النزعة المادية عليه... وكل هذه السمات ذات درجات متعددة في الناس.

حين نعرف أن وجود الصديق الحميم في حياتنا، يعد مورداً مهماً لاستكمال سعادتنا واطمئناننا ونضجنا، فإننا سوف نبحث عنه، ونحرص عليه ونرعى صداقته.

M.alwohaib@gmail.com

@mona_alwohaib

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي