No Script

لعبة جديدة لبوتين... لا فائدة منها!

تصغير
تكبير

تكمن مشكلة فلاديمير بوتين، بكلّ بساطة، في أنّه لا يستطيع التراجع. ذهب بعيداً في خيار التصعيد في أوكرانيا، بات مستقبله مرتبطاً بهذا البلد وبإخضاعه.

يبدو ذلك، إلى إشعار آخر، من رابع المستحيلات بعدما قررت أميركا وأوروبا أن الاستسلام لبوتين في أوكرانيا يعني استسلاماً له في أوروبا كلّها.

تبدو الولايات المتحدة مستعدة، مع دول أوروبيّة أخرى، لمتابعة تزويد أوكرانيا بمساعدات انسانيّة وعسكرية، خصوصاً، تجعل من الجيش الروسي جيشاً من جيوش العالم الثالث لا أكثر.

يلجأ بوتين إلى أساليب قديمة في عالم جديد. لا يعرف أن الابتزاز لا يمكن أن يشكل سياسة وأنّ لعبته الجديدة لا تنطلي على أحد.

قرّر ضمّ أجزاء من أوكرانيا إلى روسيا عن طريق إجراء استفتاءات معروفة نتيجتها سلفا، على طريقة استفتاءات النظام السوري أو صدّام حسين الذي نجح في إحدى المرات في الحصول على نسبة مئة في المئة من أصوات العراقيين!

ليس في استطاعة روسيا خوض حروب خارج حدودها والتوغّل في أوروبا عن طريق إخضاع أوكرانيا.

مسموح لروسيا سحق الشيشان ومسموح لها التدخل في جورجيا واستعادة شبه جزيرة القرم.

مسموح لها حتّى التدخل في سورية والمشاركة إلى جانب ايران في الحرب التي يشنّها بشار الأسد على السوريين.

يستطيع بوتين قتل آلاف السوريين وتدمير مدارس ومستشفيات ومنازل عاديّة عائدة إلى مواطنين سوريين.

لن يجد من يحاسبه ما دام ما يقوم به خارج أوروبا وفي خدمة المشروع الإيراني.

تظلّ أوكرانيا موضوعا آخر مختلفاً، لا لشيء سوى لأنّها في أوروبا.

لم يستوعب الرئيس الروسي، الذي لا يعرف العالم، أن سقوط أوكرانيا يعني سقوط دول البلطيق، ليتوانيا واستونيا ولاتفيا، التي اخذت مبادرة الاستقلال عن الاتحاد السوفياتي قبل انهياره مطلع تسعينات القرن الماضي.

سقوط أوكرانيا يعني أيضا سقوط بولندا وهنغاريا ورومانيا ومولدوفيا ودول أخرى كانت تدور في الفلك السوفياتي قبل انتهاء الحرب الباردة.

يبدو أنّ الرئيس الروسي لم يلقِ نظرة على الخريطة الإوروبيّة وموقع أوكرانيا في هذه الخريطة.

لن يستطيع الهرب إلى لعبته الجديدة التي تقوم على اعتبار الأراضي الأوكرانيّة التي سيضمها إلى الاتحاد الروسي جزءاً لا يتجزأ منه وأن أي محاولة أوكرانيّة لاستعادة هذه الأراضي اعتداء على روسيا نفسها.

في مفهوم بوتين، يعني ذلك أنّه بات مبرّراً له استخدام كلّ ما لديه من أسلحة، بما في ذلك السلاح النووي، دفاعاً عن التراب الوطني الروسي!

لا يعي بوتين أنّ السلاح النووي، في ضوء خطورته، في حاجة إلى شخص مجنون كي يستخدمه في القرن الحادي والعشرين.

إنّه سلاح غير قابل للاستخدام نظراً إلى أنّ آخرين في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا يمتلكون أيضاً مثل هذا السلاح!

نسي الرئيس الروسي أمرا مهماً. العالم المتحضر لن يعترف بنتائج الاستفتاءات التي سيجريها الجيش الروسي ويشرف عليها مباشرة في أراضٍ أوكرانيّة.

لم يفهم قبل ذلك مغزى التحفظات الصينية والهندية عن تصرفاته في أثناء لقاءين عقدهما حديثاً مع كلّ من الرئيس الصيني شي جينبينغ ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.

كان اللقاءان مع شي ومودي بمثابة نقطة تحوّل لم يفهم بوتين ابعادها.

لم يفهم خصوصا أنّ لا وجود في العالم، بين القوى الاقتصادية الكبرى، قوى في حجم الصين والهند، من يعترف بأنّ روسيا عادت قوة عظمى على غرار ما كان عليه الاتحاد السوفياتي.

لا وجود لقوى اقتصادية كبرى على استعداد لإغضاب اميركا من أجل استرضاء روسيا.

لن تفيد اللعبة الجديدة التي يمارسها الرئيس الروسي في شيء. خسر بوتين الحرب الأوكرانيّة التي بدأت في الرابع والعشرين من فبراير الماضي في اليوم الذي لم يتمكن من دخول كييف بعد أيّام قليلة من شنّه لتلك الحرب.

كانت لديه حسابات خاطئة تستند إلى معلومات مغلوطة عن إمكانات الجيش الأوكراني وشخص الرئيس فولوديمير زيلينسكي الذي تبيّن أنّه شخصية لا يمكن الاستهانة بها.

لا يزال السؤال المطروح كيف يمكن للرئيس الروسي متابعة خوض حرب مع أوكرانيا، فيما الشعب الروسي يهرب من روسيا بعشرات الآلاف بعد إعلان «التعبئة الجزئيّة»؟

هل من يخبر الرئيس الروسي عن صفوف الهاربين من روسيا إلى جورجيا؟ كيف يمكن، أصلاً، دخول مثل هذه الحرب من دون امتلاك معلومات دقيقة عن الوضع الداخلي الأوكراني وعن قدرة الجيش الأوكراني على الصمود؟

حسناً، ألحق بوتين خسائر كبيرة بالاقتصاد العالمي. بات معروفاً أن أوروبا ستعاني من شتاء قارس بسبب أزمة الطاقة العالميّة.

لكنّ القرار الأوروبي صار واضحاً. تبدو القارة العجوز مستعدة للمعاناة سنة كاملة، لكنّها لا يمكن أن تبقى تحت رحمة الغاز الروسي.

هناك قرار أوروبي بالاستغناء عن الغاز الروسي مهما كلّف ذلك من تضحيات.

أمّا أميركا، فتبدو أقلّ تأثراً بأزمة الطاقة في ضوء ما تمتلكه من مصادر في هذا المجال.

هذا جعل الولايات المتحدة المستفيد الأوّل من الحرب الأوكرانية في ضوء تطورين.

الأول زيادة الاعتماد الأوروبي عليها، والآخر تأكيد أنّها لا تزال القوة الأهمّ في العالم، بل القطب الأكثر تأثيراً خارج حدوده على الكرة الأرضية. لا يزال باكراً الكلام عن عالم ذي اقطاب متعددة رغم صعود الصين والحجم الضخم لاقتصادها.

تبقى ملاحظة أخيرة تكشف فشل بوتين وتكشف في الوقت ذاته غياب أي فائدة من اللعبة الجديدة التي يسعى إلى ممارستها.

اجتاح الجيش الروسي أوكرانيا بحجة أنّها تريد الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.

كانت النتيجة توسّع هذا الحلف بعدما صار يضمّ دولاً كانت تعتبر نفسها محايدة مثل السويد وفنلندا.

مثل هذه الدول، التي كانت أبعد ما تكون عن الأحلاف العسكريّة، صارت تركّز على كيفية حماية نفسها من بوتين!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي