No Script

كلمة صدق

حديث حول الوثيقة

تصغير
تكبير

«طريق الفضيلة طويل ومتعرج، ولكن ما أن نبدأ بسلوكه حتى يصبح أكثر سهولة، على الرغم من صعوبته». الشاعر الاغريقي هزيودس

تتسوق في أحد المجمعات التجارية الضخمة بصحبة ابنك الصغير في معرض لبيع الأجهزة الإلكترونية، يقابلك البائع الآسيوي وقد غطى ذراعيه برسومات ونقوش من الوشم، وقد عقد عنقوصة من شعره، وبان لمعان حلقة معدنية صفراء في أذنه.

لا يمكن أن يتم اعتبار هذا المظهر في الكويت بأنه منظر مألوف وعادي، وأنه منظر يعطي صورة تحفز الأطفال والشبان على انشاء مجتمع يتجه نحو الأخلاق الفاضلة التي هي عماد بناء أمم ناجحة ومتطورة وبناء مجتمع آمن مستقر.

قد يقول البعض إن هذه المظاهر من وشم على الأجساد ومن لباس مبتذل وأكثر من ذلك منتشرة في مجتمعات وأمم متطورة وناجحة اقتصادية وعسكرياً وسياسياً، لكن على من يقول ذلك الرجوع إلى الأرقام والاحصائيات ليرى مدى الترهل الاجتماعي والتفكك الأسري والحزن الفردي التي تعيشها هذه المجتمعات المتطورة صناعياً واقتصادياً والمفتقرة إلى القيم والأخلاق والفضيلة.

يقال «إن الحقيقة هي الضحية الأولى للحرب»، كذلك الأخلاق والقيم الفاضلة هي الضحية الأولى للصراعات والمناكفات السياسية.

وثيقة القيم التي طرحها البعض كخريطة طريق أو تعهد يلتزم بها المرشحون الذين تعهدوا بالالتزام بها، فيها بعض النقاط الوجيهة التي تحتاج إلى مراجعة واهتمام، وهي تشكل هاجساً لكثير من الأسر الكويتية، لكن هناك أيضاً تساؤلات وجيهة حول نقاط كثيرة في الوثيقة وفي طريقة طرحها بهذا الوقت وبهذا الأسلوب.

هل أخذت الوثيقة بالاعتبار طبيعة النظام السياسي الكويتي وتوزيع المهام والمسؤوليات والسلطات فيه؟ وهل أخذت بالاعتبار قسم نائب الأمة باحترام الدستور الكويتي والذود عن حريات ومصالح الشعب كل الشعب، وبين التزامه بالدفاع عن وثيقة خطتها فئة معينة من الشعب؟

هل طرح هذه الوثيقة في هذا التوقيت وربطها بالانتخابات التشريعية سيؤدي الغرض في الدفاع عن القيم والفضيلة؟ أم انها ستؤدي إلى صراعات سياسية واحتداد بين فئات المجتمع، لأن هذه الوثيقة وما هو واضح أنها صدرت من شريحة معينة من المجتمع ولم تراعِ وجهات النظر المختلفة فيه ولا المذاهب ولا المشارب الفكرية فيه، ولم تتم بالتشاور والتحاور حتى مع كثير من فئات المجتمع المحافظة، فهي مغلقة على مجموعة فكرية معينة، وهذه الآحادية في الوثيقة لا تخدم الأهداف الواردة فيها ولا يمكن تحقيقها من دون التفاف أكثر شرائح المجتمع حولها، وهنا ستكون القيم والأخلاق المرجوة ضحية للصراعات السياسية.

لقد دعت الوثيقة إلى منع الوشم ومنع الابتذال في اللباس ومنع النوادي الصحية المختلطة، لكنها غفلت عن نقاط أخلاقية أخرى.

فهل جاء بالوثيقة تحريم الواسطات الظالمة التي تسلب المستحق الضعيف حقه؟ وهل جاء فيها تحريم التعدي على أملاك الدولة والتجاوزات عليها في المناطق السكنية والتجارية وأي تجاوز على الحق العام في البر والبحر؟

هل جاء في الوثيقة الحرص على مجابهة كل خطاب كراهية أو فكر يؤدي إلى إضعاف الروح الوطنية وزرع الضغائن والفرقة بين أبناء الوطن الواحد؟ هل جاء في الوثيقة الدعوة إلى طرح التسامح واتباع طرق الحوار والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة في المجتمع الكويتي المتداخل بما يخدم الأمن والاستقرار والتجانس والحب بين أبناء الوطن الواحد؟

هل جاء بالوثيقة أن يلتزم المتعهد بالالتزام بها من المرشحين حال وصوله للبرلمان أن يقوم بتطبيق برنامج عمل واضح ينتقل بالكويت إلى مصاف الدول المتقدمة عبر الاهتمام بالمشاريع الصناعية وتطوير التعليم والمحافظة على البيئة البرية والبحرية، والاهتمام بالاندية الرياضية والشباب؟

هل جاء بالوثيقة أن يلتزم المرشح بالوصول للملجس بالأساس عبر ما يطرحه من برنامج عمل بناء وليس عبر الفزعات والصيحات العائلة أو العرقية أو المذهبية أو الفئوية؟

نعم، الأخلاق والفضيلة عماد الأسر الصغيرة والمجتعات والأمم الكبيرة، الأخلاق روحاً وشكلاً، باطنية وظاهرية كلها مهمة، ويجب أن تكون محط اهتمام الجميع من مجتمع ومسؤولين ومحط اهتمام جميع السلطات ووسائل الإعلام، لكن هل طرح هذه الوثيقة بهذا الشكل وبهذه الطريقة وبهذا الوقت يخدم الفضيلة والأخلاق، أم يؤدي إلى عكس ذلك؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي