الكلمة الفصل تبقى للميدان لأن العقوبات لا تقلب الموازين

هل تضع حرب أوكرانيا أوزارها... قبل أن «يذوب الأسمنت»؟

أوكرانيون يتهافتون على المساعدات في بلدة بمنطقة خاركيف شرق البلاد (رويترز)
أوكرانيون يتهافتون على المساعدات في بلدة بمنطقة خاركيف شرق البلاد (رويترز)
تصغير
تكبير

- لا بوتين سيخضع بسبب العقوبات ولا الأوروبيون سيرفعون الراية البيضاء بسبب البرد
- روسيا استعجلت لعب ورقة «سلاح الغاز» قبل سقوطها
- من المبكر القول إن الحرب أمام تحوّل مفصلي أو منعطف حاسم
- الغربيون يريدون التفاوض مع بوتين بعد إنهاك جيشه وإضعاف اقتصاده

مع اقتراب دخولها الشهر الثامن في 24 سبتمبر الجاري، برز حدثان مفصليان في مسار الحرب في أوكرانيا: نزول «سلاح الغاز» إلى الميدان، والتقدم الميداني للجيش الأوكراني في الشرق.

في الحدث الأول، قرّرت روسيا الإسراع في شهر السلاح الاقتصادي، متذرعة بالعقوبات الغربية التي تمنع تدفق الغاز إلى أوروبا، عبر خط «نورد ستريم 1».

وفيما كانت تتدرّج سابقاً بقطع جزء من الغاز لأيام ثم تستأنف التصدير بكميات أقل، ذهبت روسيا إلى خيار «صدْم» الأوروبيين ومباغتتهم قبل أن يحتاطوا، على قاعدة تدفيعهم ثمناً باهظاً لمواصلة دعمهم أوكرانيا.

هكذا، أصدرت «غازبروم» أغنيتها التي تتحدث عن الشتاء القارس الطويل، في إشارة واضحة إلى أن العقل الروسي ارتأى لعب هذه الورقة الآن قبل سقوطها لاحقاً، لأن الأوروبيين بدأوا منذ اندلاع الحرب في نهاية فبراير الماضي، وضع خطط استراتيجية للاستغناء عن استيراد الطاقة من روسيا، وهناك مؤشرات جدية على أنهم قطعوا شوطاً كبيراً في هذا الاتجاه.

وعلى الرغم من إطفاء أنوار مبنى بلدية باريس والمتاحف البلدية وقاعات البلديات في دوائر العاصمة في الساعة العاشرة ليلاً، وظهور الشموع في بعض الحانات والمطاعم في إيطاليا، يقول الأوروبيون إنهم بلغوا هدف تخزين 80 في المئة من احتياجاتهم من الغاز حالياً، وسيصلون إلى 90 في المئة بحلول نوفمبر المقبل.

وإذ يرى البعض أن التفاؤل الأوروبي «مبالغ به» وأن الأوروبيين سيُعانون بالفعل هذا الشتاء، إلا أن التحليلات والوقائع والسوابق تُشير إلى أن العقوبات لا تؤتي أكلها في هكذا ظروف: فلا بوتين سيخضع بسببها ولا الأوروبيون سيرفعون الراية البيضاء بسبب البرد.

وانطلاقاً من أن العقوبات والأسلحة الاقتصادية تؤدي إلى تكبير الثمن (ارتفاع أسعار الغاز إلى 400 في المئة - تكبد الاقتصاد الروسي خسائر كبيرة)، لكنها لا تقلب الموازين، فإن الكلمة الفصل كانت وستبقى للميدان.

وهذا ما ظهر جلياً في الحدث الثاني، إذ حققت القوات الأوكرانية تقدماً كبيراً ومفاجئاً في الجبهة الشرقية على حساب القوات الروسية التي انهارت خطوطها الأمامية وخسرت آلاف الكيلومترات المربعة، لدرجة أن التقديرات المُعلنة تشير إلى أن ما سيطرت عليه أوكرانيا في أيام يوازي ما احتلته روسيا في أشهر.

وبعيداً عن الأسباب التي تصدّى لشرحها عشرات المحللين السياسيين والخبراء العسكريين وفي مقدمها عنصر المفاجأة ونقل الجبهة من خيرسون في الجنوب إلى خاركيف في الشرق، بات من الواضح تعاظم حجم المساندة التي تتلقاها أوكرانيا من حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

تتواتر المعلومات عن أن الأميركيين و«الأطلسيين» ليسوا فقط في غرف العلميات وإنما يشاركون في مراكز القيادة على بعض الجبهات، فضلاً عن المعلومات الاستخباراتية التي تُمرّر للأوكرانيين على مدار الساعة، والعتاد الكمي والنوعي الذي لا يتوقف عبر الحدود البولندية وغيرها.

من المبكر القول إن الحرب أمام تحوّل مفصلي أو منعطف حاسم، فتقدم الأوكرانيين حالياً هو من جولات الكر والفر والمعارك بين الحروب، لكن الجمود الاستراتيجي في ظل عدم قدرة أي من الطرفين على الحسم مع دخول الحرب نوعاً من «الستاتيكو» منذ أشهر، يطرح تساؤلات جدية عما إذا كانت أطراف الحرب اقتربت من الاقتناع بالعودة إلى الطاولة ووضع المسدسات جانباً.

وعلى الرغم من التهليل الغربي للتقدم الأوكراني الأخير، تدرك القوى الكبرى المشاركة (بطريقة غير مباشرة) في الحرب أن الهزيمة الروسية الكاملة غير واردة نظراً لتداعياتها الضخمة على العالم، وأن الهدف الأميركي - الأطلسي (البريطاني خصوصاً) في نهاية المطاف هو التفاوض مع بوتين بعد إنهاك جيشه وإضعاف اقتصاده.

ولعلّ هذا ما يفسر الحذر الأميركي في التعاطي مع التقدم الأوكراني والابتعاد عن الحديث عن «هزيمة» الروس، فيما يبدو أن «الرؤوس الحامية» في أوكرانيا تقرأ من كتاب آخر بحديثها عن ضمانات أمنية غربية والعودة إلى نغمة انضمامها إلى «الأطلسي»، الذي أرسلت في بداية الحرب مؤشرات على استعدادها للتخلي عنه.

وإذا كان بوتين لم يُدلِ بدلوه حتى الآن إزاء التراجع الأخير لجيشه، فإن حليفه الوثيق الرئيس السابق ديمتري مدفيديف عاد إلى التحذير من «حرب عالمية ثالثة»، ناقلاً رسالة إلى الخصوم بأنهم «سيرون الأرض تحترق والأسمنت يذوب»، إذا وافقوا على طلبات أوكرانيا وعاد الأطلسي لينصب خيمة على حدود بلاده.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي