الرأي اليوم

سمو الشيخ مشعل الأحمد... استقرار الكويت باستقرار عمل الحكومة

تصغير
تكبير

سموّ نائب الأمير ووليّ العهد الشيخ مشعل الأحمد حفظك الله ورعاك، أخاطبكم هنا وأنتم من اعتمدتم سياسة القلوب المفتوحة قبل الآذان والأبواب، تكريساً لنهج التواصل الإيجابي البنّاء بين الحاكم والمحكوم.

الآن وقد أُغلق باب الترشيح للانتخابات النيابية، وبدأ الاستعداد لاختيار مُمثّلي الأمة لتدشين مرحلة جديدة من تاريخ الكويت، لا بدّ من التوقّف عند نقطة جوهرية وأساسية غابت للأسف الشديد في السنوات الماضية وكان غيابها جزءاً من تفاقم الأزمات.

هذه النقطة الجوهرية اسمها: استقرار العمل الحكومي.

سموّ نائب الأمير ووليّ العهد، تعلمون علم اليقين أن الكويتيين جميعاً يستبشرون الخير بكم، ويواكبون خطواتكم المدروسة بكل تفاؤل، وعندما أطلقنا على العهد الجديد «عهد الأمل» فلأننا استشعرنا توق الكويتيين إلى الخروج من دوامة الأزمات المُستمرّة التي عطّلت التنمية، وتجاوبهم غير المسبوق مع الرسالة الإصلاحية التي يبعث بها العهد في مُختلف الاتجاهات بقيادة صاحب السموّ الأمير أمدّه الله بموفور الصحة والعافية ووليّ عهده الأمين.

بعد الانتخابات وتبلور خيارات الناس، ستتشكّل حكومة جديدة تكون أداة القيادة السياسية التنفيذية وتُترجم ما تطمحون إليه من تقدّم في مُختلف المجالات وتكون برامجها الفاعلة جسراً ينقل الكويت إلى غدٍ أفضل.

لكن التطوّر يا طويل العمر يحتاج قبل كل شيء إلى استقرار سياسي أساسه استقرار حكومي، وهذا الأمر كان غائباً لسنوات طويلة ما أدّى إلى شلل حقيقي في غالبية القطاعات.

ما من إدارة تولّيتموها سموّكم إلا وكانت سياستكم فيها قائمة على الاستقرار والخُطط والمشاريع طويلة المدى بغية تحقيق نتائج مُستدامة. والأولى أن تكون هذه السياسة جوهر العمل الحكومي الذي عانى ما عاناه من ضياع داخلي وتوتّر خارجي أدّيا إلى تبديل حكومات وتغيير وزراء وكأن الموضوع يتعلّق ببورصة سياسية ظرفية لا بإدارة بلد عزيز وموارد ضخمة ومشاريع واعدة.

نستذكر معاً كيف كان عمل الحكومة في عهد المغفور له الشيخ جابر الأحمد الذي أرسى مُقوّمات نهضة حقيقية في كل المجالات. أهم ما ميّز تلك الفترة هو استقرار الحكومة واستمرار الوزراء الرئيسيين فترات طويلة أعطتهم أفضلية لوضع التصوّرات والحلول وترتيب الخُطط والمشاريع وبرامجها الزمنية ثم الانتقال إلى مراحل التنفيذ ومواكبتها من دون ضغوط أو تدخّلات.

لنقف أمام تجربة تولّي المرحوم الراحل عبد الرحمن العتيقي مثلاً وزارة المالية لمُدد تجاوزت السنوات الـ14، ألم تتحقّق في عهده نهضة الكويت المالية وإنجازاتها التنموية؟ ألم يكن تولّي المرحوم الراحل حمود النصف حقيبة الأشغال لمُدد تقارب السنوات العشر جزءاً من انتقال الكويت من عصر إلى آخر في مجالات البنى التحتية والمشاريع؟ حتى اللحظة هناك من يقول إن المشروع الفلاني «أُنجز على أيام العم حمود النصف». والشيء نفسه ينسحب على تولّي الدكتور عبد الرحمن العوضي وزارة الصحة وغيرها لمُدد تتجاوز السنوات الـ16 حيث استطاع في ظل الإمكانات المُتاحة آنذاك بناء الهيكل الصحي الذي ما زال يُشكّل قاعدة أيّ مشروع حالي لتطوير هذا القطاع.

أما ما عايشناه منذ حكومات السنوات الأخيرة فهو أن عمر الوزير في الحكومة قصير. وأحياناً لمُدّة أيام أو أشهر. أجبرته الظروف على أن يكون مُوظّفاً بدل أن يكون مُبادراً خلّاقاً فاعلاً، وأجبرته العلاقة المُشوّهة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية على قبول التسويات واعتماد المُحاباة منهجاً، فإن حصل توافق ظرفي بين حكومة وبرلمان بقي في منصبه وتوقّفت المشاريع، وإن حصل تخاصم غادر منصبه... والمشاريع مُتوقّفة أيضاً.

سموّ نائب الأمير ووليّ العهد إذا تحدّثنا عن الشأن الاقتصادي... عصب الحياة في الكويت، وإذا توقّفنا عند توجيهكم السامي للحكومة الحالية بأن «تضاعفوا الجهود والعطاء والعمل بروح الفريق الواحد لتسريع عملية التنمية والبناء في البلاد والعمل على تحقيق الطموحات التي يتطلع إليها الجميع»، فكيف نتصوّر حلولاً جذرية إذا كان وزراء النفط والمالية والتجارة والأشغال وغيرهم يتغيّرون كل سنة وأحياناً في أقل من سنة؟ هل هناك دولة في العالم حقّقت نموّاً ملحوظاً في قطاعات التنمية تغيّر فيها الوزراء المعنيون كل عام أو كل بضعة أشهر؟ إنّ استقرار الحكومة يضع خُطوطاً حمراً أمام التعسّف في استخدام الأدوات الدستورية، ويضع الوزير في ميزان المحاسبة أمام أدائه وليس رضا النواب، ومن يعجز عن أداء المهمة يغادر منصبه من نفسه أو يُبلّغه رئيس الوزراء بوجوب إفساح المجال لغيره لإكمال المُهمّة، فحصول الخطأ يستوجب محاسبة الوزير من رئيسه، والتستّر على الخطأ بموجب صفقة مع البرلمان يستوجب ألف مُحاسبة للحكومة... أمّا تجربة التوسّع في توزير النواب فدلّت على سلبيات لا حصر لها ولكم في التجارب القليلة السابقة أكثر من مثال على الاستفادة من المنصب لانتهاك مبادئ المساواة والعدل وتحويل الوزارة إلى مقرّ انتخابي رغم توجيهاتكم السامية بأن «طبّقوا العدل الذي نحرص كلّ الحرص على تطبيقه. اجعلوه مبدأكم لا تحيدوا عنه».

اليوم يا سموّ الشيخ مشعل أنتم من توجّهون الإدارة وتوصون بالشّخص المناسب في المكان المناسب، في ظلّ موجة شعبية كبيرة من الثّقة بخياراتكم، ولذلك يتمنّى الكويتيون أن تدخل الكويت في ظل القيادة الحالية مرحلة الاستقرار السياسي عبر الاستقرار الحكومي كي تبنى على ذلك قواعد صلبة للتنمية في كل المجالات.

وأنتم يا سموّ الشيخ مشعل من مُؤسّسي مدرسة الإدارة الحازمة وتدركون أن الإصلاح والتقدّم والتنمية ومحاربة الفساد لا تتم سوى بتطوير هذه الإدارة وجعلها الرافعة الضخمة التي تتولّى نقل كل القطاعات من حاضر مُتواضع إلى مستقبل واعد.

وخير ما نختم به اقتباس من أقوالكم: «وجود الكويت بإذن الله تعالى وجود ممدود وأن بقاءها بقاء موصول، أما نحن فخلودنا باقٍ في أعمالنا لا في أعمارنا». والكويتيون يعلمون يا سموّ الشيخ مشعل أن الاستقرار في الكويت هو الحاضر الدائم في عملكم... أمدّك الله بالعمر المديد.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي