No Script

رأي قلمي

لا محدد ولا موحد...!

تصغير
تكبير

إن تزكية النفس وتطهيرها، لا يعني إهانتها واحتقارها، فليس للإنسان أن يذل نفسه وذلك بأن يكلفها ما لا تطيق، أو يعرضها للمخاطر والمهالك. وألا يجلد نفسه أو يتهمها بأمور هي منها بريئة، وعلى المرء أن يعرف قدر نفسه من خلال ذكر إنجازاته، واكتشاف الإمكانات الكامنة فيه. إن الله - جل وعلا - جعل باب التوبة مفتوحاً أمام العبد مدى الحياة حتى لا يكوّن فكرة نهائية عن نفسه، وحتى يظل قادراً على تجديد الثقة بها وبإمكانية إصلاحها.

كثير من الناس يفقد ثقته بنفسه واحترامه لها، بسبب الإخفاقات المتكررة التي واجهها، أو بسبب أخطاء ارتكبها في مرحلة من مراحل حياته. وبعضهم يكون كذلك بسبب مقارنته لنفسه بأشخاص يعتقد أنهم أفضل منه بكثير، وأن لا أمل بأن يلحقهم ويكون مثلهم. إن احترام النفس نتيجة مباشرة للثقة بها، كما أن ازدراءها نتيجة مباشرة للشعور بنقصها. من الخطأ الاعتقاد بأن الثقة بالنفس شيء محدد وموحد، إنّ الثقة بالنفس شيء متأرجح، فبعض الإخفاق يخفض درجته، كما أن بعض النجاح يزيد منه.

وثقة الناس بأنفسهم درجات عدة. وليست زيادة الثقة بالنفس على نحو مبالغ فيه بالشيء الحميد، فقد تدفع الثقة الزائدة بالنفس إلى بعض الأعمال الطائشة والمتهورة، وبذلك تكون أول خطوة على طريق الإحباط، والتقدير المنخفض للذات، ولذا فإن العقلاء يتركون في أنفسهم مساحة ما من الشك في قدراتهم، وتلك المساحة هي التي تولد لديهم الحرص على التطور، كما تولد لديهم درجة من الحذر تجاه المغامرة والتسرع في تناول الأمور.

ومع هذا فكثير من التقاليد الثقافية يدفع الناس إلى أن يظهروا واثقين بأنفسهم أكثر مما هم عليه في واقع الحال، وهذا يسبب أزمة لأولئك الذين يحرصون دائماً على أن يقيّموا أنفسهم من خلال المقارنة مع الآخرين.

الممارسة عامل مهم في اكتساب الثقة في النفس، فالإنسان يولد مزوداً بالحذر من كل شيء، والخوف من التعامل معه. والمعلومات التي نستفيدها عن المحيط والأشياء، تقلل من ذلك الخوف، لكنها لا تخلصنا منه. الممارسة وحدها هي التي تبخر ذلك الخوف، الذي يحد من ثقتنا بأنفسنا، وهي وحدها التي تقضي على الأوهام التي ننسجها حول الأشياء. وإذا كان المرء يشعر بانخفاض درجة ذكائه، فإنه يستطيع التعويض ذلك بتكثيف القراءة وتحسين الفهم، ويستطيع من يشكو الفقر، وضعف الإمكانات المادية أن يحسّن مستواه في الإدارة، فيدير وقته وإمكاناته المحدودة على نحو كفء، كما يستطيع القيام بعمل إضافي، يحسّن من خلاله مستواه المادي. كما أن من المهم ألا يظهر الإنسان بمظهر ينمّ عن الفوضى السلوكية، أو الفقر المعدم والمدقع... فذاك يخفض ثقته بنفسه، وثقة الناس فيه، وكلا الأمرين ضار بتوازن الشخصية.

المطلوب أن نبحث عن الأشخاص الذين يساعدوننا على الثقة بأنفسنا، وكم من زوجة غيّرت مسار حياة زوجها بسبب دعمها وتشجيعها له، وكم من صديق دفع صديقه إلى أعلى مراتب النجاح بسبب ثقته به، ودلالته على مكامن النجاح.

إن المسلم لا يستسلم ولا ييأس أبداً، ولا يمل أو يكل، ولا يصاب بانقطاع الرجاء وهو بينه وبين الله حبال الكرم والرحمة والإعانة، إن عظماء البشر من نساء ورجال ليسوا أولئك الذين يستسلمون لما أعدّوه من مقدمات وأسباب للفوز، وإنما أولئك الذين يستمدون طاقتهم العظمى من الغيب عبر ثقتهم بعون الله وتوفيقه وتذليله الصعاب لعباده المؤمنين. إن الإنسان ليس ضيئلاً، لكنه كسول إلى حد بعيد، وإن علينا أن نثق أن ما هو كامن لدينا أعظم بكثير مما هو ظاهر، وما هومعطّل أكبر مما هو مستغل، ولذا فإن هناك مساحات شاسعة لتجاوز كل الصعاب وتحقيق أسمى المطالب والرغاب.

M.alwohaib@gmail.com

@mona_alwohaib

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي