No Script

قيم ومبادئ

... ويسألونك عن الروح؟

تصغير
تكبير

السؤال عن الروح البشرية من المسائل التي لا يُقصد بها إلّا التعنت وإظهار عجز المسؤول!

ويُترك السؤال عن المهم، فيسألون عن الروح التي هي من الأمور الخفيّة التي لا يُتقن وصفها وكيفيتها كل أحد وما المسؤول عنها بأعلم من السائل؟

ولهذا أمر الله تعالى رسوله الكريم أن يجيب اليهود حين سؤالهم عن الروح أن يقول لهم «قُل الروحُ من أمر ربي وما أُوتيتم من العِلم إلّا قليلاً»، أي أن الروح من (أمر ربي)، أي من جُملة المخلوقات التي أمرها أن تكون فكانت كما أراد.

وليس في السؤال عنها كبير فائدة.

روح الإنسان في الغالب تطلق على ما فيه الحياة حساً أو معنى، والروح التي يحيا بها البدن محتاجة إلى غذاء نافع تحيا به الحياة الحقيقية، وهو الإيمان بالله تعالى والتعرف عليه، والتقرّب إليه، والصلة به في اليوم والليلة من خلال الصلوات والدعوات وقراءة القرآن والذكر في الصباح والمساء.

والإنسان يضل حين تنحرف فطرته ويصيبها المرض... يضل فلا يهتدي إلى الله ولا يصل بروحه إلى حماه، وكل مولود يُولدُ على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.

الروح البشرية كما قال العلماء (جرم نوراني علوي خفيف حيّ متحرك عاقل يسري في الأعضاء سريان الماء في عود الورد، والدهن في غُصن الزيتون... وإنما تحل الروح بدن الإنسان عن طريق المَلك المُوكّل بالأرحام بأمر الله تعالى... فهي إما نفس مؤمنة راضية مرضية أو هي نفس خبيثة شريرة، فإذا دبّت الحياة في الطين اليابس (الصلصال) تحوّل بإذن الله الى متحرك يأكل ويشرب ويحس، وهذا قدرٌ يشترك فيه الإنسان مع غيره من الدواب والبهائم الحية، ولذا تُسمى في الفقه الإسلامي (ذوات أرواح)، وتتقاسم مع الإنسان بعض خصائصه وأحكامه مثل عدم الإيذاء أو العدوان عليها أو حرمانها من حقها المشروع وتقييد حركتها ومنعها من الأكل والشرب، وتعذيبها بالحرق بالنار... حتى يجرم إزهاق روحها إلا لمصلحة الأكل على سبيل المثال.

ويجب على مالكها توفير المأكل والمشرب والمكان وسائر ما تحتاج إليه، ويُؤجر العبدُ على رحمتها والإحسان إليها...(وفي كل كبدٍ رطبة أجر).

ولهذا جاء في الحديث الشريف (لا تتخذوا شيئاً فيه الروح غرضاً)، يعني هدفاً للتدريب مع ممارسة الرمي والإصابة أو الفوز في سباق التنافس على الرمي.

والروح مخلوقة محدثة وهي باقية لا تفنى، والموت هو مجرد مفارقة الروح الجسد، وهو انتقال من هذه الحياة إلى حياة القبر (البرزخ)، والنعيم والعذاب قد يكون عليها وعلى البدن وقد يكون عليها دون البدن، ويضمحل البدن ويتلاشى وتبقى الروح... وبقاء أرواح الصالحين في النعيم السرمدي الأبدي ليوم الدين، بينما أرواح المجرمين والطغاة في الشقاء الأبدي...

إنّ مهمة العقيدة الإسلامية هي مساندة الفطرة وتوجيهها وجهتها الصحيحة التي اجتالتها عنها الشياطين، مهمتها أن تساعد الفطرة البشرية في طريقها إلى الله، ومهمتها أن تطلق الروح من عبوديتها وإسارها للبشر أو الشهوة أو المادة، لكي تسير على الصراط المستقيم الذي طرفُه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والطرف الآخر باب الجنة وطريقة الإسلام في تربية الروح الإنسانية هي أن يعقد الصلة الدائمة بينها وبين الله في كل لحظة، وفي كل عمل وفي كل خفقة من خفقات القلب وتردد الأنفاس، وذلك من خلال استشارة القلب ليرى صُنع الله في الكون كيف أبدع خلق السماوات والأرض، وتالياً حث واستدعاء وأعمال القلوب في استشعار رقابة الله الدائمة على الإنسان مع إحياء وازع الضمير على مدار الساعة، فيملأُ القلبُ بحب الله والتطلع الدائم الى رضاه والطمأنينة إليه في السراء والضراء والرضا بقضاء الله وقدره.

ثم تأتي الخطوة التالية وهي التوازن بين مطالب الروح والجسد وهناك نشاط للجسم ونشاط للروح ولكنهما في النهاية يلتقيان وهناك دنيا وهناك آخرة، وهناك عمل للدنيا وعمل للدار الآخرة، ولكنهما طريق واحد لا يفترق فيه العمل عن العبادة ولا العبادة عن العمل ما دام كلاهما موجهاً الى الله «وابتغِ فيما آتاك اللهُ الدارَ الآخرةَ ولا تنسَ نصيبكَ من الدنيا وأحسِن كما أحسَنَ اللهُ إليك ولا تبغِ الفسادَ في الأرض».

وشقاء البشرية اليوم بسبب أنها فصلت بين نشاط الجسم ونشاط الروح وجعلت لكل منهما دستوراً ومنهجاً مختلفاً عن الآخر، وجعلت اتجاه كل منهما متعارضاً مع الآخر... ومن مفردات هذا الانحراف قولنا

(لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين).

لكن الإسلام يلتقي مع الفطرة على طبيعتها فلا يفصل بين أجزاء الكيان المترابط!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي