No Script

التعقيدات الجيوسياسية التي يمر بها العالم تدفع المستهلكين لتسريع البحث عن بدائل للذهب الأسود

أسعار النفط فرصة يصعب تكرارها فهل تغتنمها «البترول» استثمارياً لاستدامة دخل الكويت؟

تصغير
تكبير

- عودة إيران لسوق النفط إذا اتفقت نووياً تُخفّف أزمة اضطراب السوق
- المؤسسة مطالبة بالمساهمة أكثر بتنمية الإيرادات غير النفطية... و«أرامكو» مثالٌ
- عين صانعي السياسة المالية على 100 دولار تمكنهم من التوسع بالمصروفات دون عجز
- النفط تخطى حاجز الـ 100 في 2014 لأسباب طبيعية أما الآن فمحرّكاته تشبه الحروب العالمية

إذا كانت أسعار النفط الحالية مُريحة للكويت كونها تسهم في تعزيز الإيرادات العامة إلى الحدود التي تؤهل لعودة زمن الفوائض مجدداً، فإن ذلك لا ينبغي أن يحجب حقيقة أن هذه الأسعار استثنائية، ويصعب تكرارها مستقبلاً، نظراً للظروف الاستثنائية والتعقيدات الجيوسياسية التي تجمعت وغذّت صعود أسعار الذهب الأسود لمعدلاتها المتداولة منذ فبراير الماضي.

ففي ظل تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية، وعودة الطلب تدريجياً إلى النشاط بعد انحسار، مع تحركات دول تحالف «أوبك+» للحفاظ على استقرار السوق، لا يزال برميل النفط الكويتي يحافظ على مستويات فوق الـ100 دولار، بعد تجاوزه مستوى 130 دولاراً للبرميل في مارس الماضي.

وأمام هذا المشهد الاستثنائي عالمياً يبرز السؤال، كيف ستتأثر ميزانية الكويت إذا سقط فرسي الرهان لانتعاشة النفط، بانتهاء فصول النزاع الروسي الأوكراني وتوصل إيران إلى اتفاق مع واشنطن بخصوص ملفها النووي، ما يعيد 1.3 مليون برميل يومياً من النفط الإيراني إلى السوق الرسمية؟

معدلات مسجلة

من حيث المبدأ هناك من قد يقلل من هذه المخاوف بالقول إن أسعار النفط المرتفعة والمتخطية لعتبة الـ100 دولار ليست استثنائية، بدليل أن المعدلات نفسها تم تسجيلها بالفعل في 2014، حيث وصلت الأسعار 112 دولاراً للبرميل.

لكن ما يزيد من أهمية هذه المخاوف أن الظروف التي قادت إلى الارتفاعات المحققة قبل 8 سنوات طبيعية وتتعلق بمعادلة العرض والطلب بالسوق، أما الآن فالمحرّكات جيوسياسية واستثنائية وتُشبه معطيات الحروب العالمية.

ويبلغ سعر التعادل المُقدّر لميزانية السنة المالية الحالية، وفقاً للجنة الميزانيات البرلمانية السابقة، 79 دولاراً للبرميل، ما يُنبئ بتسجيل ميزانية 2023/2022 فائضاً يُقدّره تقرير «الشال» الأخير بـ 10.36 مليار دينار.

حث الخُطى

ورقمياً تشير هذه البيانات إلى أن انخفاض النفط إلى مستويات دون الـ79 دولاراً سيقود إلى تسجيل عجوزات، أخذاً بالاعتبار أن المصروفات بالميزاينة العامة للكويت تتوسع، ومن ثم فإن السعر المقدر للتعادل سيصعد بالتوازي، ما يزيد الصعوبات مستقبلاً أمام صانعي السياسة المالية لتجاوز مرحلة العجوزات إذا تعرضت سوق النفط لأي هبوط يخفض البرميل عن 100 دولار.

وإلى ذلك قد يكون مفيداً الإشارة إلى ما عانته أوروبا من نقص في إمدادات روسيا من النفط الخام والغاز خلال الأزمة الحالية، ما يجعل الأوروبيون يحثون الخطى نحو تسريع التوجه إلى إيجاد بديلة، ما يزيد المخاوف على مستقبل طلب النفط، كما أن عودة المعروض الإيراني المحتملة إلى مستويات ما قبل العقوبات يقلّص من شح الإمدادات العالمية، ويخفف قدراً من التوتر الذي دفع بأسعار النفط إلى مستوات الـ100 دولار للبرميل، ومن ثم سينعكس ذلك سلباً على أسعار النفط.

استغلال الفوائض

هذه القراءة المبكرة، تجعل الكويت، عموماً، والقطاع النفطي على وجه الخصوص ممثلاً بمؤسسة البترول وشركاتها التابعة، مطالباً باستغلال الفوائض الاستثنائية المترتبة على ارتفاع إيرادات النفط وقت الرواج الحالي، باعتبارها فرصة قد لا تتكرر، في استثمارات تضمن تحقيق عوائد جيدة للدولة، حتى لو تراجعت أسعار النفط الخام مستقبلاً، ما يمكّن الميزانية العامة من بلوغ نقطة التعادل دون تسجيل عجوزات، بدلاً من استمرار معاناة الاقتصاد الكويتي ودخوله مرحلة متقدمة من المرض الهولندي، كما يؤكد «الشال» في تقاريره.

وترى مصادر نفطية أنه ينبغي على مؤسسة البترول إحداث تغيير في نموذج عملها، ضاربة مثالاً بشركة أرامكو، عملاق النفط السعودي، التي لم تعد ترفد الميزانية السعودية بإيرادات بيع النفط، بل تلعب دوراً بارزاً في تنمية الإيرادات غير النفطية للمملكة، عبر إطلاقها استثمارات ضخمة جداً داخل السعودية وخارجها تكريرية وبتروكيماوية.

رؤية المملكة

وتوافر «أرامكو» مئات آلاف الوظائف، إضافة لدعمها توطين الصناعات المحلية التي تعتمد عليها في تأمين مشترياتها وتعاقداتها مع الشركات المحلية، والمساهمة بتحقيق رؤية المملكة في جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية في أعمال من شأنها تحقيق التنوع لاقتصاد المملكة، من خلال استخدام منتجاتها الكيميائية في تصنيع منتجات أخرى.

وتشير المصادر في هذا الجانب إلى نجاح «أرامكو» في تمكين مستثمرين محليين لإقامة صناعات جديدة غير مرتبطة بالنفط في مجمع رابغ للصناعات التحويلية وتقنيات البلاستيك والظفر باستثمارات قيمتها 5 مليارات ريال، إضافة إلى تدشينها مشروع «كنتكست» مع شركة كوجنايت، لدعم التحوّل الرقمي الصناعي ليس في السعودية فقط، وإنما على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ككل.

مساهمات «أرامكو» تدعم إيرادات السعودية غير النفطية:

1 استثمارات ضخمة تكريرية وبتروكيماوية داخل المملكة وخارجها توافر مئات آلاف الوظائف.

2 دعم توطين الصناعات المحلية التي تعتمد عليها الشركة في مشترياتها وتعاقداتها.

3 جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية عبر استخدام منتجات الشركة الكيميائية في تصنيع منتجات أخرى.

4 تمكين مستثمرين محليين من إقامة صناعات جديدة غير مرتبطة بالنفط في مجمع رابغ.

5 مشروع «كنتكست» لدعم التحول الرقمي الصناعي في المنطقة.

6 مبادرات لتنمية قطاع الصناعات الصغيرة في المملكة.

لعنة الموارد

أشار «الشال» في تقريره الأخير إلى بلوغ الاقتصاد الكويتي مرحلة متقدمة من المرض الهولندي (لعنة الموارد)، والذي دخل قاموس المصطلحات الاقتصادية على الصعيد العالمي منذ أكثر من 30 عاماً، حيث كان أول من نشره مجلة الإيكونومست البريطانية في أحد أعدادها الصادرة 1977، عندما تطرقت لموضوع تراجع قطاع التصنيع في هولندا بعد اكتشاف حقل كبير للغاز الطبيعي سنة 1959.

والمقصود بالمرض الهولندي هو حالة الكسل والتراخي الوظيفي التي أصابت الشعب الهولندي في النصف الأول من القرن الماضي 1900 - 1950، بعد اكتشاف النفط في بحر الشمال، حيث فضّل الراحة والبذخ في الإنفاق الاستهلاكي، حتى دفع ضريبة ذلك بعد أن أفاق على حقيقة نضوب الآبار التي استنزفها باستهلاكه غير المنتج.

ويُعرّف المرض الهولندي بالعلاقة الظاهرة بين ازدهار التنمية الاقتصادية بسبب وفرة الموارد الطبيعية وانخفاض قطاع الصناعات التحويلية، إذ يكمن الداء في أن ارتفاع عائدات الموارد الطبيعية يجعل عملة الدولة المعنية أقوى بالمقارنة مع الدول الأخرى، ما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة صادراتها بالنسبة للبلدان الأخرى، بينما تصبح وارداتها أرخص، ما يجعل قطاع الصناعات التحويلية في الدولة أقل قدرة على المنافسة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي