No Script

كلمة صدق

محاولة اغتيال النظرية الرابعة

تصغير
تكبير

لعل العبوة الناسفة التي وضعت تحت مقعد سيارة داريا دوغين، في العاصمة الروسية موسكو والتي أدت إلى مقتلها، كان الهدف الأساسي فيها هو اغتيال والدها ألكسندر دوغين.

فلا أخطر ولا شيء مهماً في العالم الغربي بقدر الفكرة، الفكرة التي قد تقلب موازين القوى في العالم، الفكرة التي يغطي إشعاعها بلداً بمساحة روسيا الهائلة وثرواتها الضخمة وترسانة أسلحتها الفتاكة وتنتشر في فكر قادتها وصناع القرار فيها، الفكرة التي قد تضع حداً لهيمنة الغرب واستحواذه على قدرات العالم لفترة امتدت لقرون.

ليس هنا محل ترويج للنظرية الرابعة، لكن هنا إشارة إلى أهمية هذه النظرية وخطورتها على القوى المهيمنة على العالم، لأن نظرية المفكر الروسي ألكسندر دوغين، الرابعة، هي في الشكل العام نظرية رفض أكثر منها نظرية تطبيق عملي مفصل للحكم. هي نظرية ترفض أنماط الحكم الثلاثة من فاشية وشيوعية وليبرالية غربية، وتدعو العالم إلى تبني انماطه في الحكم واستقلاله من النظرية الليبرالية الديموقراطية الغربية التي باتت تتسلط على العالم بشكل أشد من الفاشية والشيوعية.

تعد الليبرالية الغربية حالياً آخر نموذج للتسلط الغربي على العالم وعلى مقدراته، ولقد أصبحت الليبرالية الغربية أشد قسوة وتسلطاً من سابقاتها من أنظمة حكم في أوروبا رغم ملمس الليبرالية الناعم، وهي أصبحت بأنظمة الحكم التي نشأت عليها في أوروبا والولايات المتحدة الذراع المتسلطة على العالم اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً لتكون الحلقة الأخيرة للتسلط الغربي على العالم الذي دام لقرون طويلة.

لقد بدأت رحلة التسلط الأوروبي الغربي على العالم وعلى موارده منذ رحلة كولومبس إلى أميركا الشمالية وما أعقبها من إبادات بحق سكانها الأصليين والاستيطان في أراضيهم، ومع رحلة ماجلان البرتغالي حول الأرض ووضع أول بصمات استعمارية على أميركا الجنوبية، ثم محاولة تغيير هوية الفيلبين والسيطرة عليها وكانت هي نهاية رحلة ماجلان الذي قتله البطل الفيلبيني المسلم سلطان جزيرة ماكتان لابولابو، الذي قد يختلف الشعب الفيلبيني حول تفاصيل حياته وحول ديانته، لكنهم لا يختلفون حول كونه بطل النضال الأول ضد الاحتلال الغربي. لكن بعد مقتل ماجلان بعقود تم احتلال هذه الجزر على يد الإسبان واطلق عليها الفيلبين نسبة إلى الملك الإسباني فيليب الثاني.

وما فعله الإسبان بقيادة فرانسسكو بيزارو، القائد العسكري الذي كان معروفاً عنه أنه ولد غير شرعي لعقيد إسباني، في حضارة الانكا في أميركا الجنوبية والسيطرة على كنوز من الذهب وصهر آلاف الأطنان منه وإرساله إلى أوروبا، وقتل زعيم قبائل الانكا بعد إذلاله وبعدما افتداه شعبه بما يملكون من آثار هائلة من الذهب.

وفي الفترة نفسها بدأت الطلائع الأوروبية تذهب جنوب المحيط الأطلسي حتى رأس الرجاء الصالح، جنوب أفريقيا، على يد البرتغالي بارتولوميو ديازن ومن بعده فاسكو دي جاما، لتبدأ حقبة للتوجه جنوب البحار في المحيط الهندي والالتفاف على خطوط التجارة في الوسط واستغلال ثروات شعوب جديدة مثل الهند والبنغال.

لقد كان آخر هذا التسلط الغربي الأوروبي هو الليبرالية والديموقراطية الغربية وريثة الممالك الأوروبية السالفة، والتي لم تختلف عن نهجها التسلطي سوى في اطلاق الشعارات البراقة وارتداء أثواب حكم ناعمة الملمس كالليبرالية الغربية، ففرنسا وانكلترا، الجمهورية والملكية الديموقراطية وريثتا الممالك السابقة في التسلط على شعوب العالم وعلى مقدراتهم، والغريب حقاً أن تكون فترة ذروة الليبرالية والديموقراطية في هاتين الدولتين هما الفترة ذاتها التي كانتا فيها في ذروة توسعهما الاستعماري والاستغلالي للعالم.

الآن، وقد ورثت العالم الأوروبي الغربي الليبرالي في السيطرة على العالم وقيادة الدول الغربية الليبرالية أميركا القوة العظمى العتيدة، وهي كلها في حلف ليبرالي ما زال مسيطراً على أكثر مقدرات العالم، وهو الحلف الغربي الليبرالي نفسه الذي يدعم جوهرة التاج الاستعماري الحديث إسرائيل، المحتلة لأرض فلسطين العربية، بعد هذا ألا يستحق صاحب النظرية الرابعة الاغتيال!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي