إنّه تصرف غير مفهوم... هذا أقلّ ما يمكن أن يوصف به استقبال تونس، لزعيم جبهة «بوليساريو» إبراهيم غالي، التي تُستخدم في «حزب استنزاف» على المغرب منذ نصف قرن تقريباً.
الأكيد أن مثل هذا التصرّف يسيء إلى تونس التي تمر بظروف صعبة ومعقّدة، ولاسيما أن المغرب لم يقدّم لتونس سوى الخير... دعمها في كلّ وقت وساعدها في تجاوز المحن من دون ان يطلب منها شيئاً.
قبل سنوات قليلة، حرص الملك محمّد السادس في اثناء زيارة لتونس على تمديد اقامته فيها لأيّام بغية الاطلاع عن كثب على أحوال المواطنين العاديين فيها ومعرفة ما يعانون منه بطريقة مباشرة.
ما الذي تريده تونس وما الذي تحاول اثباته من خلال استقبال غالي، الذي جاء إليها في طائرة خاصة مباشرة من الجزائر؟
لن يقدّم الموقف التونسي من قضيّة الصحراء ولن يؤخّر، لا لشيء سوى لأنّ القوى الفاعلة في العالم، في مقدّمها الولايات المتحدة ودول أوروبية عدّة والدول الست الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة اتخذت موقفاً واضحاً من مغربيّة الصحراء.
وهذا يعني ان تونس لم تأخذ علما بالموقف الأميركي من قضيّة الصحراء ومن ثبات السياسة الأميركيّة التي ما زالت تلتزمها إدارة جو بايدن علماً أنّها تقررت في الأيام الأخيرة من إدارة دونالد ترامب.
يشير ذلك إلى أن الموقف الأميركي من مغربيّة الصحراء صار موقفا واضحا معتمدا لا يتغيّر بتغيّر الإدارات في واشنطن.
يشير ذلك إلى أن الموقف الأميركي من مغربيّة الصحراء صار موقفاً واضحاً معتمداً لا يتغيّر بتغيّر الإدارات في واشنطن.
كما أن إسبانيا، التي كانت الطرف الذي يستعمر الصحراء الغربية، غيّرت موقفها وباتت تعتبر الطرح المغربي في ما يخص هذه المنطقة هو الموقف الأكثر واقعية.
يبدو أنّ تونس لم تجد من يقول لها، أن اسبانيا التي كانت الطرف الذي يستعمر الصحراء، غيّرت موقفها وباتت تعتبر الطرح المغربي في ما يخص هذه المنطقة هو الموقف الأكثر واقعية.
بكلام أوضح، غيّرت إسبانيا، التي تسلّل إليها إبراهيم غالي العام الماضي بجواز جزائري يحمل اسماً آخر لأسباب طبية، موقفها.
باتت اسبانيا، التي مرت علاقاتها بالمغرب في أزمة حينذاك والتي انسحبت من الصحراء في نوفمبر 1975، تدرك أن الطرح المغربي القائم على الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية هو اللعبة الوحيدة في المدينة.
الأهمّ من ذلك كلّه، الموقف الذي اتخذته دول الخليج الست في قمتها الأخيرة في الرياض أواخر العام الماضي.
كانت الرسالة الخليجية في غاية الوضوح، بتشديدها على «مغربيّة الصحراء» من جهة وعلى الشراكة مع المغرب من جهة أخرى.
جاء في البيان «أكد المجلس الأعلى أهمية الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين مجلس التعاون والمملكة المغربية، وتنفيذ خطة العمل المشترك، ومواقفه وقراراته الثابتة الداعمة لمغربية الصحراء، والحفاظ على أمن المملكة المغربية واستقرارها ووحدة أراضيها، مشيداً بقرار مجلس الأمن الرقم 2602 الصادر بتاريخ 29 أكتوبر 2021 في شأن الصحراء المغربية».
ليس معروفاً اين مصلحة تونس في السير في سياسة مغايرة لدول مجلس التعاون التي ساعدتها ومازالت تساعدها يومياً في الوقوف في وجه الحركات المتطرفة من نوع حركة «النهضة» التي عملت على تفكيك الدولة التونسيّة.
لم تستطع الجزائر انتزاع الموقف الذي تريده من موضوع الصحراء خلال زيارة الرئيس ايمانويل ماكرون. تحدث الرئيس عبدالمجيد تبون عن مناقشة قضية الصحراء مع ماكرون، لكنّ اللافت أنّ الرئيس الفرنسي، لم يشر في المؤتمر الصحافي المشترك، إلى أنّه جرى التطرق إلى هذه القضيّة من قريب أو بعيد.
تحتاج تونس إلى دعم عربي ودولي واضح لمواجهة الأزمة الاقتصاديّة التي تعاني منها، وهي أزمة مركبة زاد عمرها على عشر سنوات. هل تستطيع الجزائر أن تأخذ على عاتقها حل الأزمة التونسية، علما انّها بحاجة إلى من ينتشلها من ازماتها الكثيرة؟
الثابت أن استقبال غالي أقرب إلى مغامرة أكثر من أي شيء آخر.
لم يسبق لتونس في أي وقت، خصوصاً في أيام الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي والباجي قائد السبسي، قبول أن تكون في خدمة أي قوّة خارجية قريبة منها أو بعيدة عنها.
تحدّى بورقيبة، جمال عبدالناصر في عزّ سطوته. كان ذلك في العام 1966 عندما ألقى خطابه المشهور في اريحا، ودعا صراحة إلى قبول قرار التقسيم في فلسطين.
كان ذلك قبل حرب العام 1967 التي تسببت بكارثة عربيّة. أثبت بورقيبة، وقتذاك، أنّه زعيم عربي حقيقي يمتلك قراره التونسي المستقلّ.
وقف لاحقاً في وجه معمّر القذافي الذي أراد ابتلاع تونس واستطاع وقفه عند حدّه مرات عدّة.
لم تخطىء تونس بحق المغرب فحسب بل ارتكبت خطيئة بحق نفسها.