مرّة أخرى، يؤكد المغرب موقفه الواضح من القضايا التي تهمّه، وهي القضايا التي تعني كلّ مواطن في مملكة متصالحة مع نفسها أوّلاً.
تختزل كلمة الوضوح في الخطاب الذي ألقاه الملك محمّد السادس في مناسبة الذكرى الـ69 لـ«ثورة الملك والشعب» التي كانت خطوة أساسية في مجال تأكيد حال التلازم والتلاحم بين مؤسسة العرش من جهة والشعب المغربي من جهة أخرى.
شكلت هذه الذكرى «مرحلة فاصلة، على درب تحقيق الاستقلال»، على حد تعبير العاهل المغربي، «كما جسدت عمق روابط المحبة والتعلق بين ملك (محمّد الخامس) فضل المنفى، على المساومة بوحدة الوطن وسيادته وشعب قدم تضحيات جسيمة، من أجل عودة ملكه الشرعي، واسترجاع الحرية والكرامة».
من موقع الثقة بالذات وبالمغرب وبالشعب المغربي، تحدث محمّد السادس عن «استكمال الوحدة الترابية، باسترجاع الأقاليم الجنوبية للمملكة»، قال: «لقد تمكنا خلال السنوات الأخيرة، من تحقيق إنجازات كبيرة، على الصعيدين الإقليمي والدولي، لصالح الموقف العادل والشرعي للمملكة، بخصوص مغربية الصحراء.
وهكذا، عبرت العديد من الدول الوازنة عن دعمها، وتقديرها الإيجابي لمبادرة الحكم الذاتي، في احترام لسيادة المغرب الكاملة على أراضيه، كإطار وحيد لحل هذا النزاع الإقليمي المفتعل».
أشار العاهل المغربي إلى «أنّ الموقف الثابت للولايات المتحدة الأميركية شكل حافزاً حقيقياً، لا يتغير بتغير الإدارات، ولا يتأثر بالظرفيات».
أضاف: «كما نثمن الموقف الواضح والمسؤول لجارتنا إسبانيا، التي تعرف جيداً أصل هذا النزاع وحقيقته. وقد أسس هذا الموقف الإيجابي، لمرحلة جديدة من الشراكة المغربية - الإسبانية، لا تتأثر بالظروف الإقليمية، ولا بالتطورات السياسية الداخلية».
اعتبر «أن الموقف البناء من مبادرة الحكم الذاتي، لمجموعة من الدول الأوروبية، منها ألمانيا وهولندا والبرتغال، وصربيا وهنغاريا وقبرص ورومانيا، سيساهم في فتح صفحة جديدة في علاقات الثقة، وتعزيز الشراكة النوعية، مع هذه البلدان الصديقة.
وبموازاة مع هذا الدعم، قامت نحو ثلاثين دولة، بفتح قنصليات في الأقاليم الجنوبية، تجسيداً لدعمها الصريح، للوحدة الترابية للمملكة، ولمغربية الصحراء.
ولا يسعنا بهذه المناسبة، إلا أن نجدد عبارات التقدير، لإخواننا ملوك وأمراء ورؤساء الدول العربية الشقيقة، وبخاصة الأردن والبحرين والإمارات، وجيبوتي وجزر القمر، التي فتحت قنصليات في العيون والداخلة.
كما نشكر بقية الدول العربية، التي أكدت باستمرار، دعمها لمغربية الصحراء، وفي مقدمها دول مجلس التعاون الخليجي ومصر واليمن».
بعد ابداء الاعتزاز بمواقف معظم الدول الأفريقيّة ودول أميركا اللاتينية من موضوع الصحراء، قال محمّد السادس: «أمام هذه التطورات الإيجابية، التي تهم دول من مختلف القارات، أوجه رسالة واضحة للجميع: ان ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات.
لذا، ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل.
يبقى حجر الزاوية في الدفاع عن مغربية الصحراء. هو وحدة الجبهة الداخلية والتعبئة الشاملة لكل المغاربة، أينما كانوا، للتصدي لمناورات الأعداء.
ولا يفوتني هنا، أن أوجه تحية إشادة وتقدير، لأفراد الجالية المغربية المقيمة في الخارج الذين يبذلون كل الجهود للدفاع عن الوحدة الترابية، من مختلف المنابر والمواقع، التي يتواجدون بها».
لا يفرق ملك المغرب، وهو أمير المؤمنين، بين مغربي وآخر أكان داخل المغرب أو خارجه.
من هذا المنطلق قال إن «المغرب والحمد لله، يملك جالية تقدر بنحو خمسة ملايين، إضافة إلى مئات الآلاف من اليهود المغاربة في الخارج، في كل أنحاء العالم. ويشكل مغاربة العالم حالة خاصة في هذا المجال، نظراً لارتباطهم القوي بالوطن، وتعلقهم بمقدساته، وحرصهم على خدمة مصالحه العليا، رغم المشاكل والصعوبات التي تواجههم.
ذلك أن قوة الروابط الإنسانية، والاعتزاز بالانتماء للمغرب، لا يقتصر فقط على الجيل الأول من المهاجرين وإنما يتوارثه جيل عن جيل، ليصل إلى الجيلين الثالث والرابع».
عندما يتحدّث محمّد السادس عن مئات الآلاف من اليهود المغاربة واعتزازه بدعمهم لوطنهم، فهو يظهر مرّة أخرى أن لا وجود لعقد مغربيّة من أي نوع. هناك في المغرب الملك الإنسان أوّلا الذي ينادي بالاعتدال ويعمل من أجله في كلّ مكان.
لذلك، ليس صدفة تحوّل المغرب إلى دولة تعترف بكلّ المكونات التي تتشكل منها ثقافة البلد وتاريخه، بما في ذلك المكون اليهودي. فالمغرب بلد حضاري قبل أي شيء آخر لا تمييز فيه بين مواطن وآخر بغض النظر عن ديانته. بكلام أوضح انّ التراث اليهودي مصدر غنى للمغرب المنفتح على محيطه وعلى العالم.
هذا الانفتاح المغربي على الذات أوّلاً، لعب دوره الأساسي في اقتناع العالم، على رأسه الولايات المتحدة، بحق المغرب في استعادة أقاليمه الجنوبيّة التي كانت تحت الاستعمار الإسباني حتّى العام 1975.
بات كلّ عاقل في هذا العالم يدرك أن قضيّة الصحراء ليست سوى قضيّة مفتعلة وهي حرب استنزاف جزائريّة تستهدف المغرب ليس إلّا.
الأهم من ذلك كلّه، أن العالم يعي جيّداً أنّ المغرب لا يمكن أن يتخلى عن حقوقه في أرضه من جهة وأن سكان الأقاليم الصحراوية يؤمنون قبل غيرهم بانتمائهم إلى المغرب من جهة أخرى.
خاض المغرب معركة طويلة بغية استعادة أقاليمه وبغية جعل معظم العالم يعترف بمغربيّة الصحراء.
ليست المعركة التي خاضها المغرب، بدءاً بـ«المسيرة الخضراء»، قبل 47 عاماً، سوى امتداد لـ«ثورة الملك والشعب» التي اثبتت مدى التلاحم بين العرش والشعب.
يثبت هذا التلاحم تحوّل المغرب إلى واحة استقرار في منطقة تحتاج أوّل ما تحتاج إلى هذا الاستقرار بعيداً عن المزايدات والشعارات الفارغة التي لا تطعم خبزاً.
استعاض المغرب عن الشعارات الفارغة بالوضوح والثقة بالذات. سمح ذلك لمحمّد السادس بالتوجه إلى شعبه منطلقاً من ثوابت تحقّقت على الأرض. يبقى أفضل دليل على هذه الثوابت البنية التحتية الحديثة في كل مدينة وقرية مغربية
وليس في الأقاليم الصحراوية وحدها...