عجّت الساحة العربية بتنظيمات عروبية، ووصل منها البعثيون إلى السلطة عن طريق الانقلابات في العراق وسورية.
في العراق تحوّل حزب البعث إلى نظام ديكتاتوري في قبضة صدام وعائلته تحت شعارات العروبة.
تصدّى العراق للأطماع الإيرانية بعد ثورة الخميني ووقف إلى جانبه الدول العربية بما فيها الكويت، فيما شذّ عن ذلك البعث السوري الذي آثر الوقوف إلى الجانب الإيراني لينكشف زيف شعاراته العروبية.
لم يحتفظ البعث العراقي برصيده العروبي في التصدي لإيران، بل آثر بعد توقّف الحرب مع إيران خوض مغامرة إنجاز شيء من الوحدة بارتكاب جريمة احتلال الكويت في الثاني من أغسطس 1990، ليكون ذلك نهاية مغامراته العروبية بعد هزيمته وطرده من الكويت على يد القوات الدولية، ثم احتلال العراق من قبل القوات الأميركية وتسليمه لإيران.
يعيش العراق منذ ذلك الوقت حتى اليوم فوضى سياسية واقتصادية ومعاناة إنسانية من تداعيات الحسابات الخاطئة للبعث العراقي الذي قدّم العراق هديّة لأعدائه.
في الجانب المقابل، استعان البعث السوري بالنظام الإيراني لقمع «الربيع السوري» الذي طالب بالإصلاحات السياسية والاقتصادية، وتدخلّت روسيا لصالح النظام السوري البعثي، وكانت النتيجة تهجير الملايين من الشعب السوري، وقتل مئات الآلاف، وتدمير المدن والبنى التحتية، وتحويل سورية إلى بلد ممزّق يعاني من تدخّل النظام الإيراني الطائفي في شؤونه الداخلية ومحاولاته الحثيثة في سلخه من عروبته ودينه.
من كان يتوقّع أن هذين الحزبين البعثيين العروبيين سيساهمان في إضعاف العرب وتشتيتهم، وتعريض أمنهم واستقلالهم للخطر؟
لم يعد هناك أمن قومي عربي، وتداعياته الوخيمة نراها في تغلغل الصهاينة في المنطقة العربية وفي حصارهم غزة واعتداءاتهم المتكرّرة عليها بالقصف واستهداف المدنيين والأماكن الحيوية، وآخر اعتداءاتهم بدأ الجمعة الماضية ولم يتوقف إلّا يوم الأحد بعد أن قتلوا وجرحوا عشرات المدنيين بمن فيهم الأطفال والنساء.
نسمع بين الحين والآخر من يصرّح متفائلاً بشعار «الأمن القومي العربي»، لكن الواقع يكذبه في فلسطين والعراق وسورية ولبنان واليمن. شعارات حزب البعث العربي نفسها «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة»، «وحدة، حرية، اشتراكية»!