جودة الحياة

أن تكون أهلاً للمسؤولية... ثمة فرق

تصغير
تكبير

ذات يوم التقيت بمسؤول عمل في مكان ما، فجلس يشتكي من مهام العمل الموكلة إليه ومعاناته مع ضغوطات العمل وحجم المسؤوليات التي على عاتقه مقارنة ببقية الموظفين والعاملين معه.

فأجبته على الفور: اتركها.

استغرب من ردة فعلي لأنه أعتقد بأنني سأتعاطف معه وأجامله، نظرت إليه قائلة: نعم اترك المسؤولية إن لم تكن أهلاً لها، فلا مسؤول بلا مسؤولية.

فالمسؤولية ليست شعاراً أجوف، ولا تعبيراً فضفاضاً تصعب الإحاطة بما يعنيه، يتشدق بها من يشاء في المحافل والمنتديات والسوشيال ميديا، بل هي التزام أخلاقي واحساس عالٍ بما يمليه علينا الضمير وإدراك تام بالعواقب والاستعداد لتحمل المسؤولية كاملة حين نكون في موقع صناعة واتخاذ القرار.

وأساس تحمل المسؤولية هنا هو حرية الاختيار، والوعي التام بأن اختيارك أن تكون مسؤولاً يعني أن حجم مسؤولياتك أصبح أكبر وأكثر وأصعب، وليس كما يعتقده البعض وللأسف، بأن المناصب القيادية هيبة وأقل عملاً وجهداً، بمعنى آخر بريستيج وراتب أعلى ومكتب فخم مريح بلا مسؤولية.

المسؤولية هي حس العقل والإدارة والقدرة والاستعداد لتحمل تبعات أعمالنا وسلوكنا تجاه أنفسنا وتجاه الغير، وليس التهرب وتحميل الآخرين وزر أخطائنا.

المسؤولية هي التصدي بحزم لواجباتنا حسب ما يقتضيه الحال والمكان، وليس التراخي والتقاعس عن القيام بما يمليه علينا الموقع والدرجة والوظيفة.

أن تكون مسؤولاً يجب عليك أن تقدر المسؤولية وتحملها بجسارة بمميزاتها وسلبياتها، وأن تتصف بالثقة والقوة في مواجهة الواقع، والقدرة على النهوض والارتقاء بالأعباء الموكلة إليك، فهي كما أسلفت ليست تعابير فضفاضة يتشدق بها كل من هب ودب، إنما هي سلوك عملي وحس راقٍ بقيمة وجودة الحياة تُقدر قيمة الوقت في انجاز الأعمال.

تختلف مستويات المسؤولية ودرجاتها باختلاف الأحوال وتبدل الظروف والتحديات، فمسؤولية الفرد قبل الزواج مثلاً ليست كما هي بعده، ولا المسؤول في العمل، هو نفسه قبل تولي الموقع، فما أن نتولى منصباً حتى تتبدل نظرة الآخرين إلينا ونظرتنا إلى أنفسنا، غير أن الأكثر أهمية ألا تُولي أمانة التكليف إلا لمن يستحقها بمعايير الاستحقاق المتعارف عليها.

فمثلاً قبل الزواج، يجب أن يكون كلا الطرفين «الرجل والمرأة» على معرفة ودراية كاملة بالمعنى الحقيقي للزواج ومسؤولياته الكبيرة ومتطلباته، والاستعداد التام لتحمل تلك المسؤولية بكل كفاءة من دون تذمر وشكوى، وكذلك الحال في مجال العمل. فالمعايير هنا تعتمد على التأهيل العلمي والمعرفي، التخصص والخبرة، ولا ينبغي لأحد أن يطلب تولي مسؤولية بأي درجة أو موقع ما وهو ليس أهلاً للمهمة أو المنصب.

ولا ريب أن تحمل المسؤولية في العمل من قِبل المسؤول، وفي البيت حيث الأب والأم مسؤولان عن تربية وتوجيه الأبناء، يقود حتماً إلى النجاح وتجاوز التحديات مهما كانت درجة خطورتها.

فالقائد الذي اعتاد تحمل المسؤولية يمثل مصدر الهام وقوة لمن حوله، ولا نتائج بلا مقدمات، فعندما تكون الإدارة أو حتى الفرد مقدراً للمسؤولية فإنه حتماً سُيدرك أن كل ما سيحدث في سير العمل وحياته إنما هو نتيجة لقراراته، فيكون أكثر حرصاً عند اتخاذ أي قرار، وسيسعى جاهداً إلى تلافي الأمور والسلبيات التي ربما تؤدي إلى التراجع والفشل في الوصول للأهداف المرجوة.

وفي مقابل النماذج المُشرفة التي تنهض بالمسؤوليات وتواجه التحديات المترتبة على توليها بجدارة، ثمة نماذج أخرى للأسف تُعد مثالاً للضعف والبعد عن أي معنى لتحمل المسؤولية.

لذا، نصيحة إن لم تكن أهلاً للمسؤولية وحجمها، اتركها لمن يستطيع أن يحملها ويتحمل كل تبعاتها، وابحث لك عن موقع يناسب حجمك وحجم امكاناتك وقدراتك.

وإلا فاحمل الجمل بما حمل.

Twitter: t_almutairi

Instagram: t_almutairii

Email: talmutairi@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي