No Script

النازح السوري سبب خراب لبنان

تصغير
تكبير

لا يوجد أَخْبَث وأَكْذَب من السياسيين اللبنانيين، ولا أقوى من قدرتهم على اجتراح النظريات والمبرّرات التسويقية لفكرةٍ ما يُغَطّون عبرها كل خيْباتهم ورذالتهم وسقوطهم المستمرّ في آبار الفساد والمصالح الشخصية والطائفية... آخِر إبداعات هؤلاء أن النازحَ السوري الهارب من بطْش نظام البراميل هو سَبَبُ خراب لبنان.

إذا تمّ استثناءُ عملاء النظام في مخيمات الإيواء، واستثناء اللاجئين من أجل الاستفادة من مِنَحٍ دولية تَسمح لهم بالتنقل بين بيتهم السوري وخيْمتهم اللبنانية، فإن غالبية النازحين إنما اضطُروا لهذا الانحدار الاجتماعي المأسوي هَرباً من آلة القتل ومَقابر السجون وتدمير المنازل على رؤوس مَن فيها... أم علينا أيضاً أن نصدّق أن «ما في شي بحمص»؟ الجملة الشهيرة التي قالها أحد أبرز حلفاء سورية بينما البث المباشر على مختلف وسائل الإعلام ينقل حربَ الإبادةِ عبر الأثير.

إذا اتفقنا على النقطة الأولى، نأتي إلى «الميزات» التي يعيش فيها السوري الهارب الخائف نازحاً في مخيم. فغير سلامته الشخصية وسلامة عائلته، يتجمّد برداً في الشتاء وراء قطعة قماش تُسمى «سور البيت» أي مدخل الخيْمة، ويصاب بأمراض الحرارة صيفاً أو لدغاتِ العقارب لأن «التكييف المركزي» لا يحمله صفيح الكيربي. وينتظر المعونةَ ليتبضّع، والتبرعات ليأكل، وموازنةَ اليونيسيف ليتعلّم، ويقف في طابور المَراكز المخصصة للعلاج مُنْتَظِراً دوراً قد يتأخر ساعات تصعد معه الروح إلى باريها، عدا عن لحظات القمْع العنصرية التي تنقلها فيديوهات العار.

هذا النازح السوري يدفع الفاتورة مرّتيْن، من قمْع نظامه وعنصرية مُسْتَقْبِليه. ويعيش واحدةً من أصعب المراحل الاجتماعية. يريدوننا أن نصدّق أنه المسؤولُ عن سرقة الكهرباء التي تجاوزت الـ 40 مليار دولار، وعن لعبة المَصارف والبنك المركزي التي أطاحتْ ودائعَ اللبنانيين، والمسؤولُ عن الخطاب الطائفي المذهبي المقيت الذي جعل أحدهم «بيّ الشيعة» والآخر «بيّ السنّة» والثالث «المسيحي القوي» ليؤدي خصامُهم إلى تَقاتُلٍ ووفاقُهم إلى فساد، وعن شلل البلد سنتين لانتخاب رئيسٍ بعيْنه ثم ذهاب البلد إلى جهنم باعتراف الرئيس عيْنه.

يريدوننا أن نصدّق أنه هو مَن أَدْخَلَ نيترات الأمونيوم لتخزينها في العنبر 12 من مرفأ بيروت ليستخدمها تدريجياً النظامُ في سياسة «البراميل المحرقة»، وأن هذا النازح هو مَن فجّرها مدمّراً نصف بيروت.

يريدوننا أن نصدّق أن النازحَ السوري مسؤولٌ عن تَحَوُّل لبنان إلى دويلة داخل دولة المُمانَعَة والسلاح غير الشرعي. عن قطْع علاقات لبنان العربية وبالتالي إعطاء حرب التجويع وقوداً إضافياً. عن التهريب الذي دمّر الاقتصاد. عن تصنيع الكبتاغون وتوضيبه وتهريبه عبر المنظّمة الإقليمية الدولية التي كوّنها هذا النازح أمام كانون الفحم.

كلّ نزوحٍ هو مشكلة فلا يسهلن أحد الأمر، وكل نزوحٍ هو ضغطٌ بشري واجتماعي واقتصادي وخدماتي. لكن حلّ هذه المشكلة يتم بقيام دولةٍ لبنانية حقيقية تنسج اتفاقاتٍ عمليةً مع المجتمع الدولي لضمان انتقالهم وحمايتهم.

هذه المشكلة موجودة في الأردن مثلاً، ولم نسمع سوى رغبة في حلّها عبر المنظمة الدولية من دون دعوات لوقف الكهرباء عن النازحين أو منْعهم من الحصول على طحين أو قطْع المياه. هذا إذا أردْنا عدم الدخول في الأرقام الاقتصادية التي تتحدّث عن استفادة مالية دولية للدول المُسْتَقْبِلَة لهم سواء عبر أقساط المدارس أو بطاقات الشراء أو توافر العملة الأجنبية، علماً أن لبنان يفاوض اليونيسف كي تدفع عن كل طالب سوري يريد أن يتعلّم في المدارس الحكومية 1200 دولار كما يحصل في الأردن، وليس 600 دولار كما هو الحال في لبنان.

الحجّةُ اليوم أن هناك الكثير من المناطق الآمنة في سورية فلِمَ لا يعود إليها النازحون؟ صحيح. فلتبدأ المنظومةُ الحاكمةُ، وهي اليوم آمرة ناهية بلا مُشارَكَةِ سياديين في القرار التنفيذي، بإرجاع الآلاف الذين شاركوا صوتاً وصورةً في مسرحية انتخاب بشار الأسد رئيساً.

هؤلاء معروفة وجوههم وأماكن إقامتهم وهم بالتأكيد لن يدخلوا السجونَ السوريةَ مع صُوَرِ الرئيس وأعلام النظام وخصوصاً أن بعضَهم وقّع بالدم تجديداً للرئيس. ولتكمل برصْد أولئك الذين يمضون عطلة نهاية الأسبوع في سورية ويعودون إلى المخيم، فهؤلاء يمكنهم العيش في سورية. يبقى الخائفُ المتأكد من أنه سيلْحق ببعض مَن عادوا إلى السجون بدَل منازلهم، أو إلى المقابر.

هذا النازح يجب أن يكون محطَّ رعايةٍ لبنانية دولية لضمان عودته، بالضغط على نظامه لا بالضغط عليه وحرمانه من أبسط حقوقه الإنسانية، وهو بالتأكيد سيكون سعيداً أكثر تحت سقف بيته.

الطبقةُ السياسيةُ التي تتهم النازحَ السوري بأنه سبب خراب لبنان ينطبق عليها المثال الرذيل ومعناه أن هناك مَن «يشيل» ما به من سواقط ويضعها على غيْره.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي