No Script

«إنّه النفط يا غبي»!

تصغير
تكبير

كلمة «تاريخيّة»، هي كلمة أقل ما يمكن أن توصف به الزيارة التي يتوقع أن يقوم بها للرياض الرئيس جو بايدن منتصف يوليو المقبل، لإجراء محادثات مع الملك سلمان بن عبدالعزيز ووليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان.

لماذا «تاريخيّة»، بل مفصليّة؟ يعود ذلك إلى الحاجة إلى بناء علاقة قويّة ومتينة ذات طبيعة استراتيجيّة بين حليفين تاريخيين شاءت الظروف أن يكون هناك افتراق بينهما طوال سنوات.

حصل افتراق في عهدي باراك أوباما وبداية عهد بايدن قبل ان تستفيق أميركا مجدداً على أنّ لا مجال أمامها وأمام العالم للهرب من النفط السعودي.

تأتي الاستفاقة، على الرغم من تقلّص اعتماد الولايات المتحدة على النفط السعودي وعلى الرغم من أنّ لا كلام بعد عام ونصف العام على دخول جو بايدن البيت الأبيض سوى عن كيفية مواجهة الصين.

«إنّه النفط يا غبي»... أصبح هذا الشعار، المنتشر في أوساط أميركيّة، شعاراً للمرحلة التي يمر فيها العالم منذ شنّ فلاديمير بوتين حربه على أوكرانيا في 24 فبراير الماضي. لا يشبه هذا الشعار سوى شعار «إنّه الاقتصاد يا غبي» الذي استخدمته حملة بيل كلينتون للانتصار على جورج بوش الأب في الانتخابات الرئاسية في خريف العام 1992.

في ضوء حرب أوكرانيا، شعرت كلّ دولة في أوروبا، خصوصا المانيا، بأنّها صارت مهدّدة وموضع ابتزاز عن طريق الغاز والنفط. لم يأخذ الرئيس الروسي علما أنّ نتائج خطيرة ستترتّب على ما أقدم عليه.

في مقدّمة هذه النتائج تغيير المعادلات العالميّة، بما في ذلك عودة الاهتمام بالخليج واستقراره وثرواته في ظلّ تفاقم الخطر الإيراني من جهة وحاجة العالم إلى بديل من الغاز والنفط الروسيين من جهة أخرى...

يبدو، مع تحديد موعد لزيارة بايدن للرياض، انّ كلّ المعطيات باتت جاهزة للتوصّل إلى صفقة تاريخيّة جديدة بين السعوديّة والولايات المتحدة. يبدو مطلوبا تطوير التفاهم الذي توصّل إليه الملك عبدالعزيز والرئيس فرانكلين روزفلت عندما التقيا، فيما لم تكن الحرب العالميّة الثانيّة وضعت أوزارها بعد، على البارجة الأميركية «كوينسي» في البحيرات المرّة في الرابع عشر من فبراير 1945.

قضت الخطوط العريضة لذلك التفاهم بتمكين أميركا من الوصول إلى النفط السعودي في مقابل حماية السعوديّة من أي اعتداء خارجي.

ظهر ذلك جليّاً بعد اجتياح العراق للكويت صيف 1990 وتهديد صدّام حسين للسعوديّة. من أخلّ ببنود التفاهم، لاحقا، كان الجانب الأميركي الذي لم يمتنع عن تأمين الحماية للمملكة ولدول الخليج العربيّة الخليجيّة في السنوات القليلة الماضيّة فحسب، بل أمعن أيضاً في التصرّف بطريقة توحي بانّ السعوديّة دولة ثانويّة من دول المنطقة عليها الخضوع للإملاءات الأميركيّة، بما ذلك زيادة انتاج النفط عندما ترغب الإدارة في واشنطن بذلك.

لعب أوباما الذي خلف بوش الابن في البيت الأبيض دورا محوريا في الخروج من التفاهم، إن على طريق تعزيز الوجود الإيراني في العراق اثر الانسحاب العسكري الأميركي أو عبر استرضاء «الجمهوريّة الإسلاميّة» التي لم تتوقف، منذ قيامها في العام 1979 عن زعزعة الاستقرار في المنطقة، بما في ذلك السعوديّة نفسها.

فعلت ذلك عبر الاستثمار المكشوف في إثارة الغرائز المذهبيّة من جهة وتطوير نشاط ميليشياتها المذهبيّة العاملة بقيادة «الحرس الثوري» من جهة أخرى.

ربط بايدن نفسه بشعور عام معاد للسعودية متجاهلاً ان إدارة دونالد ترامب كانت لها حسناتها كما كانت لها سيئاتها، منها وقوفها موقف المتفرج من إطلاق إيران صواريخ في اتجاه منشآت نفطية سعوديّة في خريف العام 2019... قبل ان تلجأ الى تصفية قاسم سليماني مطلع العام 2020.

وقد كشفت حرب أوكرانيا، أهمّية السعوديّة والخليج في ظلّ التوازنات العالميّة والإقليمية الجديدة، وهي توازنات تشمل العلاقات السعوديّة - الصينيّة المتطوّرة في مجالات عدة، فضلا عن تطوّر العلاقات العربيّة - الإسرائيلية على كل صعيد في إطار مواجهة التحدي الإيراني.

هذا التحدي، ذو الطابع المصيري، الذي لا سابق له في المنطقة بدليل ما يحصل في العراق وسورية ولبنان واليمن الذي يبقى همّاً سعودياً أساسياً...

يصعب عزل أي تفاهم جديد ذي طابع تاريخي بين السعودية وأميركا عن النفط، في وقت تتجاهل إدارة بايدن أنّ ما ارتكبته في المنطقة يفوق بمراحل بعض ما تعتبره إشكالات مع المملكة، خصوصا عندما تفرّجت على بشّار الأسد وعلى الإيراني والروسي يفتكون بالشعب السوري بهدف تهجيره من أرضه.

استفاقت إدارة بايدن أخيراً على عبارة «إنّه النفط يا غبي». ليس أمامها خيارات كثيرة في وقت تمرّ فيه السعوديّة في مرحلة انتقالية على الصعيد الداخلي وفي وقت لم يتردد محمد بن سلمان في رفض أخذ مكالمة من بايدن.

لكنّ السؤال الذي سيطرح نفسه عاجلاً أم آجلاً، كيف ستؤثر المعطيات الإقليمية الجديدة، في مقدّمتها العلاقات الإسرائيليّة - العربيّة، في ظلّ التحدي الإيراني، على طبيعة التفاهم الذي سيؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات الأميركيّة - السعوديّة؟

منذ العام 1945، صمدت العلاقات الأميركيّة - السعوديّة في وجه كلّ العواصف. ليس ما يدعو حالياً إلى تفادي تفاهم تاريخي جديد وإن في منطقة مختلفة وفي عالم مختلف يأخذ في الاعتبار ان ليس لدى الولايات المتحدة سجلاً يسمح لها بإعطاء دروس في حقوق الإنسان إلى أيّ بلد في العالم...

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي