No Script

غاز لبنان... ومصير الجولان!

تصغير
تكبير

ذروة من بين ذروات عدّة للمأساة اللبنانيّة أن يضع «حزب الله»، وهو الدولة وصاحب قرار الحرب والسلام في لبنان، نفسه في تصرّف تلك الدولة التي يسأل الأمين العام للحزب حسن نصرالله في كلّ مكان وزمان هل هي موجودة أصلا؟

أمس كان الحزب، الذي ليس سوى ميليشيا مذهبيّة تعمل كلواء في الحرس الثوري «الإيراني، يتحدّى إسرائيل بصواريخه. صار اليوم يتلطى بدولة يشكّ أصلا في وجودها!»

يريد الحزب، الذي حشر نفسه في زاوية التصعيد اللفظي، من الدولة اللبنانيّة الردّ على اختراق إسرائيل الخط البحري الرقم 29 ومباشرة استخراجها الغاز من حقل «كاريش» قريباً.

يعرف الحزب قبل غيره انّ الدولة لا تستطيع شيئاً. كلّ ما فعله لبنان منذ سنوات طويلة هو المماطلة. ماطل في ترسيم الحدود البرّية مع اسرائيل وماطل في ترسيم الحدود البحريّة.

يستنجد رئيس الجمهوريّة الآن بالوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين الذي ترك في آخر زيارة له لبيروت، في فبراير الماضي، سلسلة أسئلة، كان مطلوباً من لبنان الإجابة عنها سريعاً.

هل بات لدى لبنان، بعد مرور أربعة أشهر، أجوبة عن هذه الأسئلة؟

ثمّة زوايا عدّة يُمكن النظر من خلالها إلى المأساة اللبنانيّة التي تعني قبل أيّ شيء ان مصير البلد الذي عرفناه صار في مهبّ الريح. ليس ما يعكس عمق هذه المأساة وابعادها اكثر من الأحداث التي توالت منذ دخول الباخرة «انيرجيان» لاستخراج الغاز حقل «كاريش» متجاوزة الخط الرقم 29.

كشفت هذه الأحداث عجز الدولة عن الإقدام على أيّ خطوة تحمي مصالح الشعب اللبناني. كذلك، كشفت وجود رئيس للجمهوريّة لا علاقة له بما يدور في المنطقة والعالم. كشفت بكلّ بساطة كيف كبّل الاحتلال الإيراني الدولة اللبنانيّة بعدما فعل الاحتلال السوري الشيء ذاته حتّى العام 2005.

مَنْ يتذكّر أنّ اميل لحود اصبح رئيساً للجمهوريّة في العام 1998 عندما وشى، في اثناء توليه موقع قائد الجيش، برفيق الحريري إلى حافظ الأسد.

شكا أميل لحّود إلى الأسد الأب من نيّة الحريري، بالتفاهم مع مسؤولين سوريين وبالتنسيق مع الرئيس نبيه برّي، إرسال الجيش اللبناني إلى جنوب لبنان.

لم يدخل الجيش الجنوب، وهو المكان الطبيعي المفترض ان يكون فيه إلّا بعد حرب صيف العام 2006 وصدور القرار الرقم 1701.

لم يتغيّر شيء، حتّى بعد وجود الجيش اللبناني في جنوب لبنان. مطلوب في كلّ وقت المتاجرة بالجنوب وبالبحر اللبناني وما فيه من ثروات إلى ما لا نهاية.

مطلوب أن يكون لبنان ورقة إيرانيّة بعدما كان ورقة سوريّة.

على وقع إبحار «انيرجيان» في اتجاه حقل «كاريش»، استفاق رئيس الجمهورية ميشال عون وحذّر إسرائيل من افتعال أزمة أو شن أي «عمل عدواني» في المياه المتنازع عليها.

قال إن أيّ نشاط في المنطقة البحرية المتنازع عليها مع إسرائيل يُشكّل «استفزازاً وعملاً عدائياً». حسناً، ما الذي لدى لبنان يرد به على إسرائيل بعدما فوّت على نفسه كلّ الفرص المتاحة من اجل رسم الحدود بينه وبينها؟

جاء في بيان صدر عن قصر بعبدا أن الرئيس عون بحث مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في دخول السفينة «انيرجيان»، «المنطقة البحرية المتنازع عليها مع إسرائيل، وطلب من قيادة الجيش تزويده المعطيات الدقيقة والرسمية ليبنى على الشيء مقتضاه».

لنفترض أنّ قيادة الجيش زوّدته بالمعطيات.

يظلّ مطروحاً ما هو الشيء وما مقتضاه؟ هل يعرف ميشال عون هو وصهره جبران باسيل، الرئيس الآخر في قصر بعبدا ما الشيء وما مقتضاه وما الذي على المحكّ في جنوب لبنان وما اهميّة النفط والغاز في هذه المرحلة بالذات بالنسبة إلى العالم، أوروبا تحديداً، في ضوء الحرب الأوكرانيّة وما خلفته؟

لايزال في استطاعة لبنان، في حال وجود رأس للسلطة، اعتماد الحكمة والمنطق والذهاب إلى الولايات المتحدة أو إلى تحكيم دولي للمحافظة على حقوق اللبنانيين، ليس في المياه الجنوبيّة فحسب، بل في الشمال أيضا حيث يرفض النظام السوري تحديد الحدود البحريّة وترسيمها ويعتدي بتواطؤ، مع شركة تنقيب روسية، على المياه اللبنانيّة.

في بلد، لا يمتلك فيه رئيس الجمهوريّة وصهره أيّ حياء من أيّ نوع، يخشى ان يكون مصير الغاز في لبنان مثل مصير الجولان في سورية.

ليس أسهل من إطلاق الشعارات في وجه إسرائيل، لكنّه ليس أصعب من اتخاذ قرارات شجاعة تصب في مصلحة المواطن العادي.

على سبيل المثال، ماذا كان حلّ بمصر لو رضخ أنور السادات للمزايدين مثل حافظ الأسد ومعمّر القذافي بدل العمل على استعادة مصر لسيناء وثرواتها؟

ماذا كان حلّ بالأردن لو لم يدفع الملك حسين، في ظلّ وجود اسحق رابين في موقع رئيس الوزراء في إسرائيل، نحو التوصّل الى اتفاق سلام بين البلدين في العام 1994؟

الجواب ان الأردن كان سيتحوّل إلى ممسحة لإسرائيل بعد وصول بنيامين نتنياهو إلى موقع رئيس الحكومة وبقائه فيه 12عاماً. لم يكن من همّ لنتنياهو سوى الإساءة إلى الأردن من منطلق انّه الوطن البديل للفلسطينيين!

اثبت «حزب الله» منذ قيامه انّ همّه الأول والأخير الانتصار على لبنان واللبنانيين وليس على اسرائيل.

كان أداة لتكريس الاحتلال الإيراني للبلد. يدفع لبنان واللبنانيون في هذه المرحلة ثمن توفير الغطاء المسيحي لهذا الاحتلال. يشمل الثمن في طبيعة الحال تحوّل مصير الغاز اللبناني إلى مصير الجولان في سورية.

رفض النظام الأقلّوي السوري في كلّ وقت انسحاب اسرائيل من الجولان المحتل... من منطلق ان الاحتلال ضمانة لبقائه في دمشق! بغض النظر عما يحلّ بسورية التي عرفناها وبالسوريين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي