No Script

رأي قلمي

يا معشر المتغنين...!

تصغير
تكبير

في الحقيقة، اللغة العربية تجمع بين الدقة المتناهية في التعبير وبين المرونة في الدلالة، حيث إن كثيراً من الكلمات يدل على أكثر من معنى، وللأسف من هذه الحقيقة انبثقت ثقافة تسمية الأشياء بغير أسمائها وهي غالباً تكون ثقافة الضعفاء الذين يتبعون الهوى ويأتمرون بأوامر النفس والشهوات.

والحقيقة الثانية يتعب الإنسان حين يتعلم اللغة، ويرهق عند استخدامها وتفسير عباراتها وشرح مدلولاتها، ويضني حين يفك العقد التي بينه وبين لغته، ويوهن عندما يتحدى معاناتها، ويأتي بعض الجّهال الذي يتبعون رغباتهم وشهواتهم فيسمون الأسماء بغير أسمائها، بل أسماء تخدم جهلهم وشهواتهم. يذكر ابن عباس - رضي الله عنه - أنه ظل مدة لا يعرف معاني بعض الكلمات الواردة في كتاب الله حتى سمع بعض الأعراب ينطق بما يشرحها، مع أن الرجل يلقّب بـ (ترجمان القرآن).

مررنا في كثير من المواقف في الأماكن العامة مع أناس تُفصّل معنى الحرية على مقاس هواها ورغبتها وشهوتها، من منا لم يرتاد المطاعم أو الكافيهات لتناول وجبة أو شرب قهوة، ومن سوء حظه يجلس بجانب طاولة يتكلمون بصوت مرتفع ويضحكون ضحكات، والله لو كنا في صحراء ما ضحكنا مثلها، من دون مراعاة لوجود الآخرين واحترام حقوقهم في عدم ازعاجهم أو تعكير متعتهم في الخروج والاستمتاع بوجبة لذيذة أو شرب قهوة تصفي المزاج مع نفسه أو مع قريب أو صديق.

قال الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - «لا تذهب الليالي والأيام حتى تشرب فيها طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها». لو أسقطنا معنى الحرية على كل من يخالف ويتجاوز حقوق غيره، لرأينا الناس في مرحلة من تاريخنا أطلقوا على التعدي على حقوق الآخرين اسم «الحرية»، رغم أن العلاقة بين الأسماء والمسميات تكون نقية في البدايات، أي يكون الاسم معبراً فعلاً عن سمات وخصائص المسمى بوضوح، لكن! من الواضح أن تفريغ الاسم من محتواه ومضمونه يستهدف التخلص من الدلالات والمعاني المرتبطة بالحرية، والتنصل من المسؤوليات الحقوقية والاجتماعية.

يا معشر المتغنين بالحرية قبل أن تفعل أو تقول على الملأ ما لا يناسب أعراف المجتمع وآدابه، تذكر عدم التعدي على حرية الآخرين، واعلم أن كل إنسان في العالم له حريتان، حرية مطلقة وأخرى مقيدة، حريتنا المطلقة بين جدران منازلنا فقط، وحريتنا المقيدة تبدأ عندما نتخطى عتبة أبواب بيوتنا، فلا نكون كالأنْعَام نفعل سلوكيات مخالفة وشاذة من دون أدنى مسؤولية للمجتمع وأعرافه وقوانيه، وندعي بأنها حرية، لابد أن يكون كل مواطن خفيرا على نفسه ويحترم حرية غيره قبل حريته.

M.alwohaib@gmail.com

@mona_alwohaib

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي