No Script

موسكو تدفع غالياً ثمن «خطاياها» التكتيكية

لماذا تشجعت فنلندا لمواجهة روسيا وهل سيكون الرد... عسكرياً؟

قوات موالية لروسيا في ماريوبول (رويترز)
قوات موالية لروسيا في ماريوبول (رويترز)
تصغير
تكبير

يتحضر العالم لبدء حرب باردة - ساخنة جديدة، بعد إعلان كل من فنلندا والسويد النية بالالتحاق بالحلف العسكري الغربي الذي ترأسه وتديره الولايات المتحدة، وهو حلف شمال الأطلسي، «الناتو».

وهي حرب لها معايير وقواعد مختلفة هذه المرة عن تلك التي انتهت عام 1991 لأنها تأتي في وقت تمتلك دول عدة سلاحاً نووياً فتاكاً، وبكثرة، وتنقسم إلى معسكرين لهما حلفاء موحدين ومنقسمين في آن واحد وتدور رحاها على القارة الأوروبية.

وذكرت روسيا على لسان رئيسها فلاديمير بوتين أنها لن تقف مكتوفة الأيدي في حال دخول البلطيق تحت السيطرة الأميركية، بعد انضمام فنلندا والسويد إلى «الناتو». فما الاحتمالات المتوقعة والواقعية؟ وهل يذهب العالم نحو خطر حرب أخرى غير أوكرانيا أو إلى حرب عالمية نووية؟

يقدم النموذج الغربي حججاً يعتبرها بدهية تحت عنوان أنه «يحق لأي دولة الانضمام لحلف الناتو الذي يفتح أبوابه للجميع، ولا تمتلك أي دولة حق الاعتراض على سيادة قرار الدول التي تقدم طلب الانتساب إليه».

بينما تتسلح موسكو بوعود أميركية أعطتها الإدارات السابقة لرؤساء روسيا تؤكد فيها أن حلف الناتو لن يتمدد خارج حدود عام.1997 إلا أن المعادلة يبدو أنها تقوم على أنه «يحق لها ما يحق لغيرها» من الدول التي تقف بشدة أمام أي تمدد لأي دولة إذا تعدت الخطوط الحمر.

وهذا ما اعترضت عليه أميركا بشدة أمام التذمر الروسي من تمدد الناتو، إلا أنها أدانت ورفضت الاتفاق الصيني مع جزر سليمان التي تبعد نحو 9800 كيلومتر عن الحدود الأميركية، والتي اعتبرت واشنطن الأمر انه «خرق للخطوط الحمر».

ولم تكترث أميركا لمخاوف روسيا واستغلت ضعفها في الأعوام التي تلت «البريسترويكا» عام 1991 وفتحت الأبواب لدخول أعضاء جدد إلى الناتو الذي انتقل عدد الدول المشاركة فيه من 12 إلى 30 دولة واستعدت لسنوات طوال لرفع العدد وضم أوكرانيا وجورجيا بعد تدريبات ومناورات قامت بها مع الدولتين اللتين تشكلان تحدياً كبيراً ومباشراً لروسيا.

وأدركت واشنطن أنها ستستفز موسكو ولربما تدفعها إلى الحرب لشيطنتها وإبعادها عن القارة الأوروبية أو لجعلها تتقبل الأمر الواقع وتجد نفسها محاصرة بقوات أميركية معادية حيث تقترب الصواريخ النووية أكثر من العاصمة الروسية.

وفي بداية التحشيد العسكري الروسي مقابل أوكرانيا، قالت فنلندا إنها لن تنضم إلى «الناتو».

وقد أثبت ذلك استفتاء أظهر أن 28 في المئة فقط من الفنلنديين يريدون أن تصبح بلادهم جزءاً من الحلف العسكري الذي تقوده أميركا.

بالإضافة إلى ذلك، فقد كانت هيبة الرئيس فلاديمير بوتين وقوة جيشه بعد انتصاره في سورية حاضرة في دول العالم.

إلا أن الخطة «ألف» التي اتبعها بوتين في الأسابيع الأولى من الحرب، التي بدأت في 24 فبراير الماضي، قدمت للعالم اقتناعاً بأن الجيش الروسي يمكن أن يقهر في أوكرانيا ويغرق في وحولها لتنكسر شوكته.

وقد كان قراراً روسياً مدمراً من الممكن أن يكون نابعاً من خطأ تقدير مميت أو فشل انقلاب من داخل كييف كان متوقعاً.

إلا أنه من الثابت أنه سيكلف موسكو خسائر جمة إستراتيجية على المدى الطويل حتى ولو استطاعت روسيا تحقيق أهدافها في أوكرانيا والسيطرة على منطقة دونباس الواسعة.

في اللحظة الأولى التي زج بها بوتين بعدد قليل من قواته تعادل أقل من نصف القوات المدافعة (150 ألف جندي روسي مقابل أكثر من 360 ألف جندي أوكراني يمتلكون إرادة القتال والدعم الغربي اللا محدود) ارتكب خطأ لا يغتفر بأنه لم يتبع الهجوم الغربي بتكثيف الضربات الجوية والصاروخية وشل إرادة العدو وإظهار القوة المفرطة التي تدرسها الكليات العسكرية الروسية أيضاً ولكنا لم تمارس في أوكرانيا ابتداء.

أظهرت «الخطة العسكرية المخملية» فشل كارثي، وهذا ما دفع الرئيس بوتين لتغييرها والتواضع بالأهداف واتباع أسلوب قتال أكثر تدميراً وفعالية.

إلا أنه مازال الأداء العسكري الروسي تحت المستوى الذي تقدمه دول عظمى - مثل أميركا - في حروبها على الرغم من خسارتها لهذه الحروب (أفغانستان، العراق) على المدى الطويل وليس في ساحة الوغى في الأسابيع الأولى للحرب.

لهذه الأسباب، ولتمكن دول «الناتو» من تقديم المساعدة العسكرية اللا محدود لأوكرانيا على مرأى ومسمع روسيا التي لم تفرض مظلة جوية شبيهة بتلك التي فرضتها إسرائيل في حرب لبنان عام 2006، اتضح لدول عدة أن الجيش الروسي لا يخيفهم ولن يتمكن من خوض أي معركة كلاسيكية مع الناتو ويخرج فيها منتصراً.

وتالياً فقد تولدت قناعة لدى كل الدول أن المعركة المقبلة هي إما حرب نووية (مستبعدة جداً) وإما (على الأرجح) حشود متبادلة في سبيل تثبيت قوة ردع وإظهار العضلات ورفع مستوى التوتر دون خروجه عن السيطرة.

فالصواريخ المجنحة والفرض صوتية والأعداد الكبيرة من الطائرات لن تخضع لها أي دولة، كما حصل في سورية مثلاً.

فالقوات الأرضية هي التي تحتل وتستثمر الضربات الجوية والصاروخية.

وأظهرت إرادة القتال لدى الأوكرانيين تأثيراً كبيراً على الخطط الروسية على الرغم من تفوقها في محافظات عدة.

هذا بالإضافة إلى الحملات الإعلامية الغربية التي تهاجم روسيا من كل جانب وتخبئ تفاصيل تقدم الجيش عسكرياً في الأراضي الأوكرانية.

هذا المناخ هو ما دفع فنلندا والسويد للمشاركة في هذا الأسبوع بمناورة مع أميركا وحلف الناتو (يشترك فيها 15000 جندي وتحاكي معركة افتراضية مع روسيا).

وتقام هذه المناورة المشتركة على بعد 150 كيلومتراً من سانت بطرسبورغ الروسية كاستفزاز واضح لموسكو. بالإضافة إلى ذلك، فقد قرر الفنلنديون بأكثرية 75 في المئة من الناخبين الانضمام إلى حلف الناتو كقوة تقدم ضمانات أمنية لهم خصوصاً أن الحدود الطويلة مع روسيا (1340 كليو متراً) تحتاج إلى إمكانيات عسكرية كبيرة لحمايتها.

وان أميركا وأوروبا، بالنسبة إلى فنلندا، هما الخيار الأنسب خصوصاً أن فنلندا لم تتوقف منذ أعوام طويلة بمناوراتها العسكرية مع حلف «الناتو» على الرغم من عدم الانضمام إليه رسمياً.

وتعتقد فنلندا أن حيادها قد انتهى عهده وأن عليها اختيار معسكر واضح.

إلا أن الانضمام يحتاج موافقة إجمالية من الدول الـ 30. وقد أعلنت تركيا أنها ترفض انضمام فنلندا والسويد بسبب دعمهما (السويد على وجه التحديد) لحزب العمال الكردستاني الكردي المصنف على لائحة الإرهاب.

إلا أن وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن أكد عقب انتهاء اجتماع وزراء الخارجية لدول الناتو ان هذه المشكلة من الممكن إيجاد حلول لها، وتالياً فإن إرضاء تركيا ليس صعباً أمام الرغبة الأميركية الشديدة في تحدي روسيا وزيادة عدد أعضاء الناتو. وكان الرئيس رجب طيب أردوغان قال سابقاً إنه لا يمانع انضمام الدول الإسكندينافية إلى «الناتو»، إلا انه يبدو أن لديه بعض المطالب التي من الممكن الاستجابة لها، كما يعتقد مصدر ديبلوماسي أوروبي.

تجد روسيا نفسها في مكان لا يُحسد عليه.

فهي بدأت مرحلة تحدي الأحادية العالمية من البوابة الأوكرانية. إلا أنها لم تستخدم القبضة الفولاذية وهذا ما تدفع ثمنه اليوم ومستقبلاً.

وبدأ الناتو رحلة تحدي روسيا - ومن بعدها يأتي دور الصين - لتعزيز مشاركة المزيد من الشركاء الغربيين وتعزيز القدرات العسكرية والاستخباراتية بين دول «الناتو».

لقد وصل عدد جيش «الناتو» إلى مليون 900 ألف جندي في مواجهة روسيا.

ليس هذا بدليل أن الجميع سيشترك في أي حرب مقبلة إذا كانت كلاسيكية لأن هناك دولاً - خصوصاً في أوروبا الغربية - وجدت نفسها تجر إلى المعركة مع روسيا.

إلا أن تصميم أميركا بالدفاع عن عرشها وإعطاء روسيا انطباعا بإمكانية هزيمة جيشها، سيدفع الجميع إلى سباق تسلح نووي لا سابقة له وإلى تقليل قدرات الجيش الروسي الذي سيذهب إلى محاسبة داخلية و إعادة بناء ستستغرق سنوات.

لن تقف روسيا مكتوفة الأيدي أمام انضمام فنلندا.

إلا أنها لن تعلن الحرب عليها، بل إن نشر القوات النووية على طول الحدود مع أوروبا كافٍ لتعيش القارة الأوروبية - وليس الأميركية - أجواء الحرب من جديد لفترة طويلة من الزمن دون أن يؤدي ذلك إلى حرب قريبة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي