No Script

قراءة في «أمزجة» التصويت

الطوائف اللبنانية «كيانات انتخابية»

موظف لبناني يأخذ قسطاً من الراحة بجوار صناديق الاقتراع في قصر العدل (رويترز)
موظف لبناني يأخذ قسطاً من الراحة بجوار صناديق الاقتراع في قصر العدل (رويترز)
تصغير
تكبير

حملت الانتخابات النيابية اللبنانية مفاجآت سياسية، في نتائجها المباشرة، إلا أنها عكست كذلك تَغَيُّراً في المزاج الشعبي انطلاقاً من تظاهرات 17 أكتوبر 2019، وأعادت فرز واقع جديد في الطوائف كـ«كيانات انتخابية»، كونها ما زالت مثالاً على تعامل اللبنانيين في مثل هذا الاستحقاق.

المتغيّر الأكبر برز عند المسيحيين بقدر ما هو لدى المسلمين السنّة، لكن بفارق عكسي. ثمة مَن لا يوافق الرئيس سعد الحريري بقوله أمس إن خياره عدم المشاركة في الانتخابات كان صائباً.

لأن قراره تعليق العمل في السياسة والانتخابات، ترك أثراً مباشراً على القاعدة الشعبية (السنية) في طرابلس والبقاع وبيروت تحديداً.

السنّة المعارضون اقترعوا إجمالاً للوائح المعارضة مسلمين ومسيحيين كما جرى في طرابلس والبقاع الغربي والشوف.

لكن غياب «تيار المستقبل» والحملة المضادة التي شُنت على السنّة المشاركين في الانتخابات، ودخول سنة «8 مارس» الموالين لـ«حزب الله» على الخط، بدعمٍ من «الثنائي الشيعي»، جعل قرار بيروت في يد الفريق الذي غالباً ما كان الشارع السني يقترع ضده.

وتأثير قرار الحريري على هذا الشارع، جعل من الصعب على السنّة التصويت كما جرت العادة.

وهذا الأمر كان يمكن أن يضاعف فوز المعارضة لو حصل عكسه تماماً، بدل أن يَترك انعكاسات سلبية مباشرة على الواقع السني في الاستحقاقات المقبلة، هو الذي سيكون أمام وقائع جديدة في استحقاق رئاسة الحكومة، وانتخابات رئاسة الجمهورية.

في المقابل فإن التحول الكبير جرى عند المسيحيين، وإن كان عاود تثبيت معادلة «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية».

اقترع المسيحيون في صورة عامة ضد «التيار» وحليفه «حزب الله». وخلال الأيام التي سبقت الانتخابات كانت لهجة «التيار» عالية النبرة ضد «القوات» عبر اتهامها بـ «الرشاوى» الانتخابية. وحسبة «التيار» انه سيحصل على ما لا يقلّ عن 18 مقعداً.

وكما كانت مفاجأة «القوات» في 2018، فإنها كذلك حققت مفاجأة في 2022، من خلال تصدُّرها المشهد الحزبي المسيحي.

وفيما حافظ «الكتائب» على حصته وتقدّم المستقلون المسيحيون لكن كل واحد في دائرته، تراجع «تيار المردة»، ودخل مسيحيو المجتمع المدني إلى الساحة الانتخابية، ولو لم يَدْخلوها تحت هذا العنوان.

لكن الصورة العامة أثبتت استمرار الصراع العوني القواتي بوجوه مختلفة، وهو ما سيؤدي إلى فرض معادلات جديدة في تشكيل الحكومة ورئاسة الجمهورية، إلا أنه بالمحصلة عكس تبدلاً جذرياً في المزاج المسيحي.

درزيا للمرة الأولى «تُخرق» الثنائية الدرزية بهذه الحدة. ورغم المصالحات الأخيرة بين المختارة (وليد جنبلاط)، وخلده (طلال ارسلان) ومعهما الوزير السابق وئام وهاب، جرى استنفارٌ درزي على أعلى المستويات، تعاون فيه المسيحيون في الجبل والسنّة المعارضون.

وكان لافتاً فوز المرشح عن المجتمع المدني مارك ضو عن مقعد ارسلان، علماً أن انتماء ضو إلى المجتمع المدني منذ أعوام لا لبس فيه.

لكن لا يمكن التغاضي عن «قبة باط» ما ساهمت في تصويت بعض القاعدة الاشتراكية (الجنبلاطية) المتململة في تسهيل وصوله بدلاً من ارسلان.

في حين لا يمكن لوهاب بعد اليوم التذرع بان «حزب الله» أسقطه كما جرى في الدورة الماضية عام 2018 لمصلحة جنبلاط الذي دأب على التحذير أخيراً من محاولة استفراد المختارة وحصارها.

ورغم ان لائحة الشوف - عاليه خُرقت بثلاثة مقاعد من المجتمع المدني على الأقل، الأمر الذي حاول معارضو جنبلاط القول إنه خرْق لجنبلاط إلا أن اثنين من المقاعد هما سني وماروني، في حين أن جنبلاط تمكّن من حصد ما يريده من مقاعد في الشوف.

شيعياً، حافظ «حزب الله» وحركة «أمل» على حصصهما الشيعية. وهذا الأمر لم يكن أحد يشكك به. وخصوصاً في ضوء سعي حثيث لمنع وصول معارضيهما إلى المجلس النيابي بكل الوسائل.

لكن «الثنائي» وان حقق ربحاً صافياً في مقاعده إلا انه لم يتمكن من رفع مستوى الاقتراع في بيئته لتعزيز شرعية تمثيله أكثر فأكثر، كما لم يتمكن من الحفاظ على مقاعد حلفائه كالحزب السوري القومي الاجتماعي وارسلان ووهاب ولم يضمن فوز عدد أكبر من تلك التي أمّنها لـ «التيار الوطني الحر» في البترون وعاليه وبعبدا والمتن وجزين.

ما ربحه الثنائي شيعياً خسره على المستوى العام، بعدما خسر «التيار»، أبرز حلفاء «حزب الله»، موقعه الأول، وربح ألدُّ خصومه أي «القوات اللبنانية».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي