No Script

كلمة صدق

حرية حرق القرآن!

تصغير
تكبير

«كلما قرأت القرآن شعرت أن روحي تهتز داخل جسمي، القرآن كتاب الكتب»... المفكر الألماني يوهان غوته.

يبدو أن بعض الدول الأوروبية بحاجة إلى سن قوانين جديدة تحت عناوين جديدة تتماشى مع حالة الكراهية التي يعيشها البعض هناك مع القرآن الكريم، ليتسنى لهم عبر القوانين الجديدة، إيجاد مبرّرات لمن يريد حرق القرآن بعيداً عن الاحتجاج بقوانين حرية التعبير... فلم تعد هذه الحجة لوحدها كافية لتبرر حماية شخص متطرف وهو يقوم بحرق القرآن ضمن جولاته الدعائية الانتخابية في السويد وأوروبا.

لقد قام الناشط السياسي راسموس بالودان، زعيم حزب «الخط الصلب»، والذي يحمل الجنسيتين الدنماركية والسويدية، مع أنصاره بحرق نسخ من القرآن في إحدى البلدات السويدية، ووعد بتكرار فعله الشنيع في بلدات أخرى يقطنها مسلمون، وهو قام من قبل بلف نسخ من المصحف الشريف في لحم خنزير مقدد!

يا للعجب من تحجج بعض الدول الأوروبية على هذه الأفعال المثيرة للكراهية، بحرية التعبير، وكأن حرية التعبير بلا قيود وبلا ضوابط، هي فعلاً مقدسة لديهم إلى درجة حماية شخص ينشر الكره ويثير التمييز ويؤجج البغضاء التي تقود إلى العنف في أنفس الناس.

نعم إن حرية التعبير عن الرأي تعتبر من الحقوق الأساسية والمدنية والسياسية والثقافية التي تؤكد عليها المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، إلا أن خطاب الكراهية والأفعال التي تتصل به، تتضارب مع المضامين السامية المرجوة من حرية التعبير.

نعم خطاب الكراهية هو بمثابة الخلية السرطانية لحرية التعبير، وهو يتعارض مع منطلقاتها جذرياً. فخطاب الكراهية يقود في كثير من الأحيان إلى العنف والتمييز ضد فئة من الناس، ويوقظ نوازع الشر والغضب والانتقام والضغينة بين الناس.

لماذا لم تعد أوروبا مقنعة حين تتحجج بحرية التعبير؟ لأن الشرق والغرب شاهدان، على أن أوروبا مع حرية التعبير، اذا كانت تتماشى مع مزاجها السياسي، وان تعارضت معه، فإنها تنتفض.

الكل شاهد كيف تسابقت الدول التي تتحجج هناك بإيذاء مشاعر الآخرين بحجة حرية الرأي، إلى إغلاق القنوات الروسية الحكومية والقريبة منها، مع بدء الحرب في أوكرانيا.

والمفترض لكل من تعلّم ألف باء الإعلام والصحافة في الغرب، أن يدرك أن الفضاء الإعلامي يجب أن يتاح للجميع حتى يعلم ويسمع الناس من الأطراف كافة، وينظروا إلى وجهة النظر الأخرى.

إن منع الإنسان الأوروبي من سماع وجهة نظر الطرف المقابل يؤدي إلى حجب معلومات قد تؤثر على مصيره وعلى مستقبل بلده السياسي، بسبب أن التعبير عن الرأي هنا يخالف المزاج الأوروبي.

في أحيان أخرى، تقوم دول أوروبية بغلق قنوات تلفزيونية بحجة التطرف... وفي أحيان أخرى، تقوم بترحيل بعض العلماء أو أئمة المساجد بحجة التطرف في خطابات الرأي، بادعاء أنها تقود إلى الإرهاب.

ألا يقود قيام شخص سياسي متطرف بحرق القرآن، مصاحب بتصريحات عنصرية، إلى العنف والإرهاب، ضد المسلمين؟

ألم تشجع هذه الخطابات والأفعال العنصرية الممزوجة بالكراهية، على حدوث اعتداءات كثيرة ضد المسلمين في أوروبا، ومجازر ضدهم طالت عشرات الأرواح، كما حدث في نيوزيلندا؟

ألا يعلم الغرب المتحضر أن خطابات الكراهية كانت مصدراً ابتدائياً وسماداً خصباً للعنف والقتل، كما حدث في تسعينيات القرن الماضي في رواندا، حين انتشرت خطابات الكراهية من قبيلة الهوتو ضد قبيلة التوتسي، وأدت إلى مذابح طالت مئات الآلاف من أبناء الشعب الواحد خلال أسابيع قليلة؟

إذا كانت حرية التعبير مقدسة هكذا في أوروبا، خصوصاً إذا تعلّق الأمر بحرق كتاب سماوي يقدسه ما يقارب ألفي مليون مسلم، فمن حق الشعوب المسلمة أن تقاطع هذه الدول التي تحمي من يهاجم كل ما هو مسلم، ووجب على حكومات الدول المسلمة أن تضع هذا الموضوع الذي يمس شعوبها، في سلم الأولويات في علاقتها مع هذه الدول ذات المبادئ المتلونة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي