موروث شعبي يحرص الكويتيون على إحيائه سنوياً احتفاء بقدوم شهر الصوم

«القريش»... «لقمة الجَمعة» قبيل رمضان

تصغير
تكبير

في كل عام وقبيل حلول شهر رمضان المبارك، يحتفل الكويتيون بـ «القريش» الذي يعتبر من العادات والتقاليد التي يحرصون على إحيائها سنوياً في أواخر شهر شعبان.

وكان «القريش» في الزمن القديم لا يتعدى كونه جمعة لأفراد الأسرة في الحوش الصغير، لتناول ما تبقى لديها من طعام لا يصلح في رمضان، مثل السمك المجفف والتمر المجفف، حيث يقيمون احتفالاً يضم جميع أفراد العائلة الذين يتجمعون على وجبة أخيرة قبل دخول الشهر الكريم.

واليوم أضحى «القريش» في هذه الأيام تقليداً ذا كلفة غالية، وأخذ طابعاً رسمياً، حيث تحتفل الوزارات والمؤسسات الحكومية إلى جانب السفارات والديبلوماسيين بهذا التقليد القديم، بتقديم كل ما لذ وطاب من أصناف الطعام، ويتم حجز الفنادق التي تصبح ممتلئة قبل رمضان بأسبوع لإقامة هذا الاحتفال.

«الراي» رصدت آراء بعض الباحثين حول هذه المناسبة السنوية التي تقام في آخر أيام شهر شعبان، احتفاء واستعداداً لبدء صيام شهر رمضان المبارك.

وقال الباحث الفلكي عادل السعدون، إن (القريش) عادة قديمة تعزز التكاتف الاجتماعي بين الناس من خلال تبادل الأطعمة التي لا تؤكل في رمضان، مضيفا «يعود أصل كلمة (قريش) إلى أنها تصغير لكلمة (قرش) أي مأخوذة من النقود، والبعض يقول إن معناها يعود لصفة الكرم، أي أن كل عائلة تجود بما لديها من طعام، ويقرقش الإنسان جيبه فيسمع صوت النقود، والبعض الآخر ذهب إلى أن قريشا تدل على صغر الوجبة أو قيمتها المادية».

وأوضح السعدون أن العادة اختلفت في الوقت الحالي، فبعض الناس لم يعد يعرفون جيرانهم، إلا أن المناسبة لا تزال محافظة على نفسها حتى مع تطور في الأطباق، ويقام حفل قريش اليوم حتى في الوزارات والهيئات، مشيرا إلى عادات كريمة أخرى تعود بعودة شهر رمضان، منها عادات زيارة البيوت والدواوين خاصة في الأيام الثلاثة الأولى من الشهر الكريم.

بدوره، قال الباحث في التراث عبدالمحسن العوضي «تحرص الأسر الكويتية على إحياء العادات والتقاليد المتعلقة برمضان سواء التي تبدأ قبل الشهر أو خلاله، إضافة إلى ذلك فإنها تحرص كذلك على الاستعداد لبدء صيام رمضان، ويتم تبادل الأطعمة والحلوى».

وفي تفسيره لكلمة (قريش) قال العوضي «يقرقش الإنسان أي يسمع صوت النقود في جيبه، كما يقال إنها تدل على صغر الوجبة أو ضآلة قيمتها المادية، ومن هنا جاءت التسمية حيث كانت كل أسرة تجود أو (تقرقش) بما لديها من طعام وشراب».

من جانبها، قالت الإعلامية أمل عبد الله، إن «يوم (قريش) فكرة شعبية وجدت منذ القدم لإظهار التكافل ودعم الأسر الفقيرة»، مضيفة أن «الهدف من هذه المناسبة هو استهلاك فائض الطعام في البيت أواخر شهر شعبان لاستقبال مشتريات شهر رمضان»، مبينة أنها كانت تقام في أوقات الصباح والظهر حيث تجتمع الأسر والأقارب لتناول فائض الطعام.

تعليم الأبناء حفظ النعمة

أوضح الباحث في التراث الكويتي صالح المسباح أن «يوم قريش» احتفالية قديمة تجتمع فيها الأسر التي تأتي كل منها بفائض الطعام لديها خوفاً من فساده لاسيما مع ارتفاع درجات الحرارة وعدم وجود أجهزة حفظ الطعام حينئذ.

وأضاف المسباح أن «(يوم قريش) عادة ما يكون في منزل كبير العائلة وكانوا يقولون (اليوم اقريش.. وباجر نطوي الكريش)» لافتا إلى أن تلك المناسبة من العادات والتقاليد المستمرة لتعليم الأبناء حفظ النعمة، بدلا من إتلافها والتخلص منها.

تأصيل التراحم والتكافل

قال رئيس مركز التوثيق الإنساني (فنار) الدكتور خالد الشطي، إن أهل الكويت اعتادوا إحياء مثل هذه العادات والتقاليد منذ القدم انطلاقاً من ثقافة التراحم والتكافل المتأصلة مجتمعياً.

وأشار الشطي إلى أنه بحلول الـ15 من شهر شعبان تجتمع النساء مع الأطفال في البيوت للسهر حتى ساعات الصباح والرجال يتبرعون بالأموال لمساعدة الأسر المحتاجة حيث يبدأ تجهيز الطعام لشهر رمضان وتحديدا «دق الهريس».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي