No Script

جودة الحياة

الخلوة مع النفس... طريق العودة لشغف الحياة

تصغير
تكبير

من أرقى أنواع رفاهية الروح أن يكون «انفرادك بنفسك» هو متعتك الحقيقية، فمن لا يأنس بذاته لا يأنس بشيء آخر، هكذا تحدث أحد الحُكماء، ومن جهتي لا أرى بأساً في هذا القول الجميل في المعنى والمقصد، فالكتابة عن الخلوة مع النفس وآثارها على الحياة في واقعها الحالي بما يحفه من تعقيدات ومصاعب وتحديات شيء ممتع، فالأنس مع النفس جوهر الخلوة ومتعتها الحقيقية، فقد تضطرنا ضغوطات الحياة ومصاعبها أحياناً إلى ضرب «طوق من الخلوة» حول أنفسنا للحفاظ على طاقتنا من التبدد، وعلى توهج أرواحنا ضد حالة الوهن والتشتت التي تصيبنا جراء تصاريف الأقدار وتقلبات الحياة.

فالحياة يقيناً ليست نعيماً دائماً لا ينقطع، ولا هي نزهة بحرية على شواطئ يانعة الخضرة، ولا يمكن بالطبع أن تكون سلسلة من المصاعب والآلام والخسارات، إنما هي رحلة تجمع بين السعادة بمعناها الواسع الذي يجمع بين خلو البال والمتع الحسية والمعنوية والجانب الآخر الذي هو نقيض خلو البال.

إذاً، هي رحلة ليست سهلة، بمقدار ما فيها من المُتع والنعم وبهاء العيش وصفوه، بقدر ما فيها من الشقاء والمعاناة.

الخلوة بالنفس من أجل استعادة الشغف بالحياة ومواصلة رحلتنا، هي أن نستقطع من أوقاتنا أوقاتاً أخرى، نفرد مساحات أكثر خصوصية في المكان والزمان لاستعادة التوازن الذي ننشده لتبديد الطاقة السلبية وما علق بنا من هموم ومشاغل. ويقيني أن الخلوة مع النفس هي دعوة لتأمل العالم والحياة ومراقبة النفس وإعادة النظر في العلاقات مع الناس في المحيط الأسري والاجتماعي والعمل.

إن الخلوة بهذا المعنى أصبحت ضرورة من أجل حياة طيبة، والخلوة بالمعنى الإيجابي أيضاً تحقق الأنس بالنفس، وتطرد الملل والرتابة من أفق حياتنا، وتلهمنا طرقاً جديدة للتعاطي مع همومنا ومشاكلنا فضلاً عن إعادة ترتيب الأولويات والعلاقات مع الناس في محيطنا وبيئتنا كما أسلفنا.

وبهذا المعنى فإن قرار الخلوة بالنفس من أجل أن تشحنها وتزيدها بالطاقة وتحفيز الاستعدادات النفسية والجسدية لمواصلة مشوار الحياة لتحقيق تطلعاتنا وأحلامنا المشروعة من أفضل القرارات وأكثرها صواباً، بل إننا قد نظلم أنفسنا إذا لم نتخذ تلك الخطوة، علماً بأن الخلوة غير العزلة، فالأخيرة تعني اعتزال الناس والحياة والانزواء وحيداً، وفي المقابل فإن الخلوة لا تعني الهروب من الحياة وتقلباتها، بل هي تحفيز للهمم ودعوة لتجديد وتغيير طُرقنا وأساليبنا لمواجهة ضغوطات الحياة، والاستمتاع بما تجود به من خيرات ومسرات.

Twitter: t_almutairi

Instagram: t_almutairii

Email: talmutairi@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي