No Script

مجرد رأي

بركان الأسعار

تصغير
تكبير

درجت العادة لدى جميع الدول التي تهتم بشعوبها، أن تطلق في الأزمات خطط إنقاذ قصيرة الأجل، في مسعى لمكافحة التداعيات السلبية التي تفرضها هذه الأزمات على الأسواق، وتحديداً فيما يتعلق بالزيادات غير الطبيعية بمسار أسعار السلع الرئيسية، ما يخفف الضرر الذي يمكن أن يقع على الطبقة المتوسطة وما دون.

في الأيام الأخيرة انتظر الجميع مثل هذه الخطوة، بأن تطلق الحكومة حزمة إجراءات لمساعدة المستهلكين، يواجهون من خلالها ارتفاع السلع والطاقة التي تفاقمت بسبب الأزمة الأوكرانية، لكن على أرض الواقع تتركز الجهود الرسمية المبذولة حتى الآن، على تشديد القبضة الرقابية على الأسواق.

إلا أنه ميدانياً لا يكفي لمواجهة المتغيرات التي طرأت على هيكل الأسعار، فالكويت تعتمد على الاستيراد لتوفير معظم احتياجاتها، وتأخر سلاسل الشحن لعب دوراً كبيراً في استمرار ارتفاع الأسعار.

ويبدو أن المخاوف من استمرار التضخم عالمياً هو عنوان المرحلة، وللكويت نصيب من غلاء الأسعار، حيث تعد إحدى الدول الأعلى خليجياً من حيث معدلات التضخم، بعد أن كانت الأقل في 2018، أخذاً بالاعتبار أن البيانات الرسمية تظهر ارتفاع الأرقام القياسية لأسعار المستهلك لمستويات غير مسبوقة، وصل معها التضخم نهاية العام الماضي إلى 4.3 في المئة، لتسجل مع ذلك أعلى معدل للتضخم لم تسجله منذ 10 سنوات، ما يعكس مواجهة المستهلك الكويتي لموجات غلاء سعرية غير مسبوقة.

وبنظرة متعمقة لموقفنا الراهن، يمكن أن نلاحظ بكل سهولة إننا لا نزال نواجه درجة استثنائية من عدم اليقين فيما يتعلق بعمق الأزمة الروسية الأوكرانية ومدة بقائها، غير أنه بات من الواضح بالفعل أن التوقعات المتفائلة بخصوص النمو العالمي المتوقع عن 2022 تتراجع، حتى أن البعض لا يخفي تشاؤمه من إمكانية التعرض لتداعيات أسوأ من تدعيات جائحة كورونا، على الأقل خلال الأزمة ورغم تهديداتها كل الأسواق إلا أن أسعار السلع محلياً ظلت مستقرة ومتوازنة إلى معدلات لا تحرق جيوب المستهلكين مثلما يحدث الآن.

النقطة هنا أنه رغم التحديات الكبيرة والعميقة التي تضرب الأسواق، إلا أنه لا توجد خطة حكومية جاهزة لمواجهة بركان الأسعار، الذي ستحرق تداعياته جيوب المواطنين من الطبقتين المتوسطة والصغيرة، ما كان يستحق من حيث المبدأ أن تسارع الحكومة للإعلان عن خطة عاجلة تتضمن إقرار ميزانية لمواجهة تداعيات جنون الأسعار، مثلما فعلت في أزمة كورونا، حيث خصصت وقتها ميزانية هائلة لمعالجة تداعيات الجائحة، وعملياً معالجة الحكومة لأزمة ارتفاع الأسعار بهذه المعدلات لا تقل أهمية عن تحركها لمعالجة الأزمة الصحية.

علاوة على ذلك يتعين أن تكون هناك إجراءات احتواء ضرورية سريعة لإبطاء معدل ارتفاع الأسعار، مع التأكيد مرة ثانية على أن التضخم محلياً وعالمياً لن يكون في الغالب موقتاً حسب توقعات المؤسسات العالمية، بل على الأرجح سيستمر فترة طويلة، ما يتطلب الانتقال من الخطط طويلة الأجل من قبيل الاستمرار في تعزيز المخزون الإستراتيجي من الأغذية لأخرى قصيرة ومتوسطة، تضمن تخفيف أثر فوران أسعار السلع الرئيسية عالمياً، لا سيما أن هذه السلع معرضة لضغط خارجي شديد.

وبقراءة سريعة للأحداث يتعين التحرك سريعاً لحماية المتضررين من المستهلكين خصوصاً الصغار والمتوسطين، من خلال إجراءات كبيرة موجهة وجيدة التوقيت على مستوى الدعم الأولى الذي يمكن أن تقدمه الحكومة من قبيل وقف بعض الرسوم وفي مقدمتها الجمركية، والإعفاء من الرسوم الإدارية، وتحمل جزء من تكلفة الشحن، إضافة إلى توفير الأراضي لزيادة التخزين، وتخفيض قيمها الإيجارية خصوصاً المخازن الغذائية، مع زيادة جرعة التعاون مع القطاع الخاص لدعم حركة الاستهلاك محلياً، كما ينبغي أن تبذل كل الجهود النقدية والمالية لجعل التضخم على درجة جيدة من الثبات.

الخلاصة،

من الضروري الحفاظ على شريان الحياة للأسر، ونحن بحاجة إلى الحيلولة دون تحول ضغوط الأسعار إلى مشكلات اجتماعية، سنعاني من آثارها كثيراً لا سيما إذا تعمقت وشملت شريحة واسعة من المواطنين، بعد أن شهدت معظم السلع ارتفاعاً في الأسعار خصوصاً المواد الغذائية التي شعر به المستهلك الكويتي والخوف أن يزداد تأثره في الفترة المقبلة، ودون إقرار خطة إنقاذ سريع يكون أي خطط حكومية مجرد حبر على ورق.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي