No Script

من الخميس إلى الخميس

الخليفي والكتاب

تصغير
تكبير

سرني وأثلج خاطري تكريم اللجنة الثقافية في قسم اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب، جامعة الكويت، للأديب الأستاذ سليمان الخليفي، وهو تكريم مُستحق، فـ «أبو فراس»، رجل متعدد المواهب، أبدع في كل حقول الأدب، حتى ليَسأل الإنسان نفسه أيهم يمثله، وأعجبتني تلك الروح الأخوية من أدبائنا الكبار الذين سارعوا بتسجيل كلمات مُعبّرة للمُحتفى به تعكس الوفاء والمحبة المنتشرة بين أدبائنا.

لقد جعلني هذا التكريم المميز أتفكّر بوضع الأدباء في عالمنا العربي اليوم، فالأدباء وسط الحروف مثل السمك وسط البحر الواسع لا يستطيعون أن يتنفسوا خارجه، يختنقون، يموتون، فإذا كان بحر حروفهم ضحلاً لا يكاد يكفيهم حاجتهم من الهواء فسوف تراهم ساكنين لا يتحركون.

إن الأدب العربي يعاني اليوم بسبب التعليم الأولي، فهذا النوع من التعليم لا يُدرّب الأطفال على حُبِّ القراءة، ولا يساعدهم على تعلم ماذا وكيف يقرأون، لقد تمت تربية أطفالنا على التقليل من أهمية القراءة بل وأحياناً على إهمالها تماماً.

اليوم، يعيش أبناؤنا على مبدأ التلقين في العلم من أجل مهمة مستقبلية محددة بالمادة بعيداً عن الإشباع النفسي والروحي والعاطفي، أجيالنا اليوم لم تجد بيئة حاضنة للقراءة ولا تعليماً يزرع فيهم حب المطالعة؛ بل لقد انتشر مفهوم خطير في عقول أبنائنا أن الكتابَ لم يعد ذا قيمة، وأن ما يحمله الطفل بين يديه من تلفون ذكي يغنيه عن الكتاب؛ وهذا غير صحيح فمؤسسة ول نيلسون المعنية بجمع 85 في المئة من المعطيات والبيانات الخاصة بسوق الكتاب ذكرت أن 571 مليون كتاب وَرَقي بيع في الولايات المتحدة عام 2016، أي أكثر مما بيع في عام 2014 وكان الرقم هو 559 مليون كتاب وهذا الرقم في ازدياد كعودة للكتاب من جديد.

هناك من لا يريد لشعوبنا العربية أن تقرأ، والشعب هو البحر الذي يتنفس من خلاله الأدباء، فإذا لم تكن هناك موجات متدفقة وتيارات متقلبة فلن يكون هناك ما يكفي من الهواء، هنا يختنق الأدب ويموت.

لقد كشفت دراسة للمركز العربي للتنمية أن مستوى قراءة الطفل العربي لا يزيد على 6 دقائق في السنة، ومُعدل ما يقرأه 6 ورقات، ومتوسط قراءة الشاب من نصف صفحة إلى نصف كتاب في السنة، ومتوسط القراءة لكل مواطن عربي لا يزيد على 10 دقائق في السنة مقابل 12 ألف دقيقة للمواطن الأوروبي، وأفادت الدراسة أن كل 20 مواطناً عربياً يقرأون كتاباً واحداً بالسنة، بينما يقرأ المواطن الأميركي 11 كتاباً بالسنة أي 220 ضعف ما يقرأه المواطن العربي، الدراسة فيها معلومات كثيرة مهينة للعقل العربي في موضوع القراءة، هذا هو بحرنا الذي نشتكي من ضحالته، فكيف نطالب مبدعينا بأن يسبحوا فيه.

كلمة (اقرأ) أُنزلت في جزيرة العرب، فحملها أهلها لتُنشر على بقية العالم، واليوم يمكن إعادة الحياة لها من أحفاد أولئك العرب، إننا نحتاج في كل بلد عربي - على حدة - إلى ثورة في التعليم وقيادات تربوية لا تستسلم للحرب التي تهدف إلى إبعاد أبنائنا عن الكتاب، إننا نحتاج أطفالاً يحترمون الكلمة ويقرأونها، وحين يحب أطفالنا الكتاب تنفتح روافد المياه لتُغذّي بحرنا الضحل، عندها فقط تتحرك الإبداعات الساكنة وتنشط حركة الأدب العربي التي تكاد تموت في مكانها.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي