قدمتها «الخليج العربي» في «أيام المسرح للشباب 13»

«أناركيا»... بصيص أمل من شُرفة الظلام

تصغير
تكبير

- العرض كان غزيراً بالقيم الإنسانية والتقلّبات النفسية التي كتبتها العامر
- المخرج الأنصاري أدار خيوط اللعبة باقتدار وعرف من أين تُؤكل الكتف

«الحليب سيفسد»...

بهذه العبارة، التي تكرّرت 3 مرات في نهاية العرض المسرحي «أناركيا» وحملت أكثر من دلالة ومعنى، لاسيما انقطاع صلة الرحم وعقوق الأبناء، قدمت فرقة مسرح الخليج العربي أول العروض الرسمية لمهرجان «أيام المسرح للشباب 13»، على مسرح الدسمة، وذلك تحت مظلة الهيئة العامة للشباب.

ارتكزت الفكرة الأساسية للعرض حول تسرّب اليأس إلى قلب الإنسان، وشعوره بفقدان الأمل وجحود الآخرين.

وقد دارت الأحداث في مبنى قديم ومتهالك جداً، يسكنه عجوز بائس ومجموعة من القطط السوداء التي يحرص على إطعامها الحليب يومياً، لكنها ظلت جاحدة لمربيها رغم رعايته لها، في إشارة لبعض الأبناء الذين ينكرون فضل آبائهم.

كما يحاول ذلك العجوز استرجاع ذاكرته بعدما تسلّل إليه الزهايمر، وأمسى حبيساً ومنعزلاً في العتمة، ينتظر بصيص أمل من شرفة الظلام، ليستعيد ما بعثرته رياح الزمن، ويكون قادراً على التأقلم مع هذه الحياة وهذا الجيل، اللذين لا ينتمي إليهما.

فبعد ضياع ابنته وزواجها من «ناعم» يدير ملهى ليلياً، ووفاة ابنه، وهجرة ابنه الآخر إلى أوروبا، لم يعُد للحياة طعم بالنسبة إلى ذلك العجوز الكهل!

المسرحية تخللها العديد من الإسقاطات الاجتماعية، والقيم الإنسانية التي تمثلت بشخصية «العجوز»، حيث ظلّ متمسكاً بمبادئه رغم تغيّر النفوس، في زمن الجحود واللصوص ونكران الجميل.

وكان العرض بمجمله غزيراً بالقيم الإنسانية والتقلبات النفسية، وتجلى ذلك من خلال الحوار الذي ألفته فاطمة العامر، حيث بدا ثرياً بالمفردات والصور البلاغية، التي أعطت النص معاني عميقة وجمالية.

كما يمكننا القول إن المخرج محمد الأنصاري أدار خيوط اللعبة باقتدار، وعرف من أين تُؤكل الكتف، مستعيناً برؤيته الثاقبة في إدارة دفة الإخراج، ليقدم لنا الكوميديا السوداء على شكل لوحات درامية، أبكتنا حيناً وأسعدتنا في أحيان أخرى.

ولعلّ الفنان ناصر الدوب كان بطل العرض بكل جدارة واستحقاق، عبر انغماسه في شخصية «العجوز»، الناصح لجيل الشباب من مغبة السقوط في بئر الضياع.

كذلك، أبدعت الفنانة سعاد الحسيني في دور الفتاة الضائعة، التي اعتادت الرقص على جراحها وهمومها. أيضاً، نرفع القبعة للممثل فيصل الصفار لتأديته دوراً جريئاً للغاية.

السينوغرافيا

بالنسبة إلى السينوغرافيا، تم توظيف كل قطعة على المسرح بمكانها الصحيح، فالإضاءة صُمِمَت بشكل جيد جداً من قبل فاضل النصار، وكانت متناغمة في كل مشهد على حدة، باستخدام لونين فقط هما الأزرق والأحمر، فضلاً عن براعة مصمم الديكور محمد بهبهاني، الذي قدّم لنا ديكوراً بسيطاً، ومريحاً للسمع والعين.

أما الأزياء للمصممة حصة العباد، فهي حكاية في حد ذاتها، ودلّت على كل شخصية.

يُذكر أن الإشراف العام للمسرحية تولاه محمد الربيعان، في حين شارك في التمثيل، كل من فهد البلوشي وماجد البلوشي وايدما الأسمر وسيد وليد وسند سالم، وأدار دفة التأليف الموسيقي عبدالله المسعود، والماكياج عبدالعزيز جريب.

الندوة النقاشية

أعقب العرض المسرحي «ندوة نقاشية» في قاعة الندوات، أدارتها نورة القطان، وتخللها الكثير من المداخلات لأساتذة ونقاد، إلى جانب مشاركة مجموعة من طلبة المعهد المسرحي.

في البداية، أكد عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية مشعل الموسى أن المسرحية حملت بين طياتها قضايا كثيرة تلامس الجميع، وهذا يحسب لطاقم العمل وعلى رأسهم مؤلفة النص والمخرج والممثل الدوب الذي بلغ صراعه مع ذاته مبلغه، بعد ضياع أسرته.

ولفت إلى أن العرض ممتع لدرجة كبيرة بفضل التجانس بين فريقه الفني، «الذي كان على قلب واحد لتوصيل رسالة العرض الإنسانية، لأنها تخاطب ذات الإنسان نفسه»، مؤكداً أن البطل الحقيقي هو النص الذي كتبته العامر لما يحمله من قيم ومعان وقضايا موجودة حالياً.

من جهته، قال الدكتور مبارك المزعل إن العرض جميل وراق من جميع النواحي، فيما أشادت الدكتورة نرمين الحوطي بفريق عمل العرض «الذي قدمه خريجون وطلاب مميزون في المعهد العالي للفنون المسرحية».

بينما أشارت آلاء البرجس إلى أن «بداية المهرجان بمثل هذا العرض الجميل تعطينا الأمل بأن نشاهد عروضاً مميزة في هذه الدورة».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي