خبراء ومختصون: المسؤولية مشتركة بين أولياء الأمور والدولة
«الراي» تتقصّى عن الرقم القياسي لـ «جرائم الأحداث»... 8 أسباب و8 حلول
أظهرت الأرقام التي وردت في تقرير أعمال النيابة العامة للعام 2021، ارتفاع معدل الجريمة لدى الأحداث في المجتمع الكويتي خلال العام 2021، بشكل مضاعف عن الأعوام السابقة، مما يدق معه ناقوس الخطر لجهة تدهور الوضع لدى أهم شريحة في المجتمع.
وبحسب الأرقام، فإن جرائم الأحداث قفزت من 1598 في 2020 إلى 5251 في 2021، فيما كانت 2098 في 2019، و2626 في 2018، و1964 في 2017، و2837 في 2016. وبالمقارنة بين 2021 و2020، فإن الأرقام تضاعفت أكثر من 3 مرات، وهو ما يؤشر على خلل خطير يستدعي التوقف عنده وتشريح أسبابه.
واستطلعت «الراي» آراء العديد من الخبراء في مجالات عدة تتعلق بهذه الفئة العمرية، حيث تناولوا الإحصائية بالتحليل وتبيان مواطن الخلل في الجوانب التربوية والاجتماعية والنفسية والدينية وغيرها، للوقوف على أبرز أسباب المشكلة وأنجع الطرق لحلها مع العديد من الإرشادات لأولياء الأمور لتقويم سلوك أبنائهم، وعدم تركهم فريسة سهلة للجريمة والانحدار السلوكي.
أمثال الحويلة: إغفال الأسرة مراقبة الأبناء... يولد سلوكاً عدوانياً
قالت أستاذة علم النفس في جامعة الكويت الدكتورة أمثال الحويلة «إن الجريمة تعد سلوكاً منحرفاً وغير سوي، يسلكه بعض الأحداث، ويمثل تجاوزاً أو اعتداء يتسبب في إيذاء أنفسهم في المقام الأول وإيذاء غيرهم من أفراد المجتمع، ويترتب على هذا الجرم تعرض هؤلاء الأحداث للجزاء الجنائي بحكم القانون». و
أضافت الحويلة «تعود هذه الجرائم لأسباب عدة، منها الاضطرابات النفسية والجهل والتفكك الأسري، وإدمان المخدرات، وإغفال الأسرة لدورها خصوصاً لجهة مراقبة الأبناء، ما يولد لدى هؤلاء الأطفال سلوكاً عدوانياً وإجرامياً».
ولفتت إلى أن «سبل معالجة هذا التدهور السلوكي يتمثل في معالجة الأسباب السالفة الذكر جميعاً، والمراقبة المستمرة لسلوك هؤلاء الأحداث ورعايتهم، وتوعيتهم، للحد من هذه الظاهرة التي باتت تهدد المجتمعات وتنشر الذعر بين الأسر، حيث زادت في الآونة الأخيرة معدلات الجريمة لدى الأحداث في الكويت، وهذا أمر لا يجب الاستهانة فيه»، مشيرة في الوقت نفسه إلى ضرورة «حماية هؤلاء الأحداث من سيطرة بعض الجماعات الإرهابية عليهم كونهم حديثي السن، ومنع اللعب في عقولهم عبر وسائل الاتصال الحديثة».
ورأت أنه «تقع على عاتق الوالدين مسؤولية كبيرة تجاه هؤلاء الأحداث، من خلال عدم إهمالهم ومتابعتهم بصفة مستمرة، وسد أوقات فراغهم بتوفير المناخ الجيد لممارسة حرياتهم، وغرس الثقة في نفوسهم ومراقبة سلوكهم، خاصة عند استخدام الأجهزة الالكترونية، والتي لعبت دوراً كبيراً في إفساد الكثير من الشباب».
واعتبرت الحويلة أن أحد أهم أسباب تضاعف أرقام جرائم الأحداث خلال 2021 «هي الظروف المرافقة لجائحة (كورونا) والإجراءات الصحية التي تخللتها، وعدم وجود أماكن ترفيهية وعدم القدرة على السفر، وظهرت هذه المشاكل على السطح بصورة كبيرة وتزايد معها الاضطراب في سلوك الأحداث». ونوّهت بوجود تقارير سنوية للنيابة العامة ومؤسسات الدولة المختلفة لأنها تساهم في تحديد الأسباب ونوعية الجرائم التي يرتكبها الحدث، مشيرة إلى ضرورة أن يكون هناك «توزيع مناطقي والفئات العمرية لنتمكن من إجراء دراسات علمية».
واختتمت بالإشارة إلى ضرورة «أن يكون من ضمن العقوبات المترتبة على الأحداث، برامج لخدمة المجتمع من قبل هذا الحدث، فالهدف ليس العقاب ولكن الإصلاح، كما أن هذه البرامج تساهم في تنمية الثقة لدى الشباب وتعديل مسار تفكيرهم كخدمة المسنين والطرق وغيرها».
جاسم العيناتي: زيادة نسب الطلاق تؤدي إلى انفلات الأبناء
أكد الداعية الدكتور جاسم العيناتي أن «من أبرز أسباب زيادة معدلات الجريمة بين فئة الشباب والأحداث هو زيادة نسبة الطلاق والتي تؤدي إلى انفلات الأولاد وعدم استطاعة الأم تربيتهم منفردة، كما أن عدم توافر السيولة المالية الكافية لدى الأحداث تؤدي بهم لسلوك طريق الجريمة للحصول على المال، بالإضافة إلى تتبع صغار السن لبرامج العنف في وسائل التواصل الاجتماعي مما يؤدي بهم لتقمص حالة البطل والقيام بأفعال إجرامية لا يدرك خطورتها».
وقال العيناتي «إن مواجهة زيادة عدد جرائم الأحداث يكون من خلال التربية السليمة على القيم الإسلامية والوطنية، والتي يكون لها أثر واضح وكبير في تخفيض السلوك المنحرف المؤدي للجريمة، كما أن الرفقة الصالحة المعتدلة في التزامها الديني تقيّد الانحراف السلوكي لدى صغار السن، بالإضافة إلى تعزيز الوازع الديني لدى هذه الفئات، لأنه يحض على الخير ويبعدهم عن الشر، كالإحسان للوالدين والجار والمسكين ومساعدة الضعيف وغيرها». وأضاف: «على أولياء الأمور الاهتمام بالأبناء وتوجيههم التوجيه السليم الصحيح بما يوافق الشريعة الإسلامية والقيم الوطنية، مع الاهتمام بإحساسهم بالمحبة والحنان والتوجيه بأسلوب حكيم ولطيف».
أحمد حسين: على الدولة الاهتمام بالعلاج النفسي المدروس والممنهج
قال الباحث في العلوم الدينية الشيخ الدكتور أحمد حسين، إن «من أهم أسباب ارتفاع معدل الجريمة لدى الأحداث هو عدم اهتمام الأسرة بالأبناء والبنات، وتخليها عن واجبها نحو فهمهم ومعرفة ما يشغل هذا الجيل الذي يعيش في بحر من الأمواج العاتية تجره هنا وهناك، لا سيما في عالم السوشيال ميديا».
وأضاف حسين أن «هذا التخاذل في الواقع يسبب تفككاً سريعاً للعلاقات مما يدمر القدوة ويفتت الحب بين أفراد الأسرة الواحدة، كما أنه بالنسبة للدولة فإن التراخي في تطبيق القانون يُدمّر كل شيء جميل في الحياة، وأقصد هنا تطبيق القانون بفهم المجتمع لا بمجاملة المجتمع أو جلده في أحيان أخرى».
وأشار إلى أنه «لا بد أن تغيّر الدولة أساليب التعامل مع هذه المشاكل، فتحوّل قناعتها من جدوى التعامل الأمني المحض لتكريس الاهتمام بالعلاج النفسي المدروس والممنهج، ولا بد هنا من أن تدرس الدولة إعادة دورها في توفير مراكز للعلاج ومتابعة الأحداث لكي تقل هذه الجرائم في المستقبل».
وأكد أيضاً أهمـية دور الأسرة التي يجب أن «تتـــضامن عاطفياً، لكي لا يتفتت الحب الذي هو النواة الأولى للتماسك الأسري وتماسك الفرد فيها، والابتعاد عن الجرائم والمشاكل».
وأكد أنه «يجب أن يكون الحب والاهتمام وفهم الأولاد والبنات والحوار العقلاني معهم واللاعنف، هو أساس العلاقة»، مشيراً إلى أن «على الأهل ألا يفرضوا التغيير على الأنباء بل عليهم أن يحببوهم فيه ويجعلوهم قادة التغيير وليسوا أتباع التغيير».
فواز العنزي: «التسامح الاجتماعي» يؤدي إلى التمادي في ارتكاب الجنح أو الجرائم
أكد أستاذ علم الاجتماع في جامعة الكويت الدكتور فواز عويد العنزي أن جرائم الأحداث مؤشر مهم لحالة المجتمع، وارتفاعها في الكويت هو نتيجة لأسباب عدة، منها ضعف القوانين الرادعة وتطبيقها بالشكل الفعال، وضعف الرقابة المجتمعية، وغياب البدائل الصحيحة لقضاء أوقات الفراغ، وغيرها من الأسباب والعوامل.
وأضاف العنزي أنه «عند وجود قوانين صارمة ورادعة تقل معدلات الجريمة عادة، ولكن المشكلة تكمن عندما لا توجد قوانين رادعة، أو عندما لا تطبق هذه القوانين بالشكل السليم»، مبينا أن «هناك الكثير من القوانين المليئة بالثغرات القانونية، أو غير القابلة للتطبيق، لذلك نجد الكثير من المجرمين تتم تبرئتهم بسبب خطأ في الإجراءات أو في عدم فهم رجال الأمن لكيفية تطبيق هذه القوانين، كما أن تعقيد هذه الإجراءات القانونية قد يدفع برجال الأمن للتهاون في اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة».
ولفت إلى أن ضعف الرقابة المجتمعية أو ما يمكن أن نسميه «التسامح الاجتماعي»، أي أن المجتمع لا يقوم بردع الأحداث أخلاقياً واجتماعياً عند ارتكاب الأفعال المنحرفة، مما قد يدفع بالأحداث إلى التمادي في ارتكاب الجنح أو الجرائم حيث يقوم المجتمع هنا بـ«تبسيط» الانحراف والتعامل معه، كأمر «سهل» أو «عادي» بل قد يتدخل أفراد المجتمع في عدم اتخاذ الإجراءات القانونية من خلال الضغط الاجتماعي على «الضحية» سواء في جرائم العنف أو الاعتداء أو السرقة، للتنازل وعدم تقييد القضايا مما يدفع هؤلاء لارتكاب المزيد من الجرائم والتمادي بها.
وتابع أن «خفض معدلات الجريمة يكون من خلال معالجة أسباب ارتفاعها، بالإضافة إلى توفير أماكن الترفيه والمراكز الرياضية وصقل هوايات ومهارات الشباب، كما يقع على أولياء الأمور دور كبير ومهم في تربية وتوجيه الأحداث والمراهقين ومتابعة سلوكهم وإرشادهم، فسلوك الابن هو انعكاس لتربية الأسرة».
علي الزعبي: التربية يجب ألا تُلقى على عاتق الأم فقط
أوضح أستاذ علم الاجتماع في جامعة الكويت الدكتور علي الزعبي، «أن ارتفاع معدل الجريمة بين الأحداث هي ظاهرة عالمية وليست مختصة في الكويت خاصة في هذه الفترة، وبيّنت الدراسات العالمية أن الفترة الحالية تشهد نسبة ارتكاب الجريمة عالية جداً بين الأحداث، وهناك من حاول ربطها بالصناعة التكنولوجية الجديدة خاصة للألعاب العنيفة وانتشارها الكبير بين فئة الشباب».
وأضاف الزعبي «من المعروف أن المجتمع الكويتي مجتمع منفتح على التكنولوجيا المعاصرة، وأعتقد أنها أثرت بصورة أو بأخرى على مسألة ارتفاع معدلات الجريمة في ظل غياب المسؤولية الاجتماعية للأسرة و(الفريج) والأقرباء وعدم وجود صرامة قانونية في معاقبة هؤلاء الأحداث، وأعتقد أن هذه أسباب رئيسية دفعت في ارتفاع معدلات الجريمة بين الأحداث في الكويت».
ورأى أنه «لخفض هذه المعدلات، يجب أن يكون هناك توعية عامة للشباب تستهدف صغار السن في المدارس وتنبههم لخطورة هذه المسألة، وتكون هناك توعية للأسرة وتبيان الطرق التي من شأنها أن تساعدها على حماية أطفالها من الخضوع أو التأثر بسلوكيات تدفعهم لارتكاب الجرائم».
وتابع: «يجب أن تكون هناك رقابة مجتمعية وأسرية ومن خلال التوعية وغرس منظومة أخلاقية سليمة في ذهن الشباب، وتوضيح مخاطر هذه الجرائم على مستقبلهم، وهذا سيؤدي إلى نوع من التراجع في مثل هذه الإحصائيات، فالتوعية الإعلامية المرتبطة بمنظومة القيم والتي تطبق على الطفل في المدرسة وفي الجامعة والشارع والسوق ووضع آليات تساعد الأسرة على مراقبة أبنائها، كما أن من أساليب المعالجة تبني السلوكيات الجيدة حتى لا ينخرط الأحداث في مثل هذه الأمور السلبية».
ولفت إلى أن «على أولياء الأمور استيعاب أن هؤلاء فلذات أكبادهم وأن ينتبهوا لغرس القيم الجيدة في نفوسهم ومصاحبتهم، وألا تترك مسألة التربية على الأم فقط بينما الأب مشغول في أمور الحياة الأخرى، ولا ضير في لجوء الأسرة للمختصين لاكتساب المهارات التربوية منهم في تربية الأبناء وتقويم سلوكياتهم».
شريان الشريان: كثير من الأحداث غير مدركين لمآلات أفعالهم
شدد رئيس جمعية المحامين الكويتية شريان الشريان على أن «التربية هي الأساس في زيادة معدلات الجريمة بين الأحداث، فالإهمال من قبل الأسرة في تربية الأبناء وتقويم سلوكهم وعدم الجلوس معهم الوقت الكافي وتركهم لأصدقاء السوء، كل ذلك يجعل سلوك الحدث غير متزن، والحدث في هذا السن غير مدرك لمآل أفعاله، وخاصة في ظل غياب المدرسة ودورها خلال فترة كورونا».
وقال الشريان: «يجب أن يكون هناك منهج تربوي شديد، من قبل المدرسة والآباء والأسرة، والحدث خلال هذه الفترة يجب أن يخضع لمعايير تقوّم سلوكه ولا يترك لأصدقاء السوء، كما أن المدرسة يجب أن تكون متشددة في المعايير التربوية، ويجب أن يكون هناك مناهج جديدة تبيّن ما تؤول إليه الجريمة فمناهجنا الدراسية خالية من هذه البرامج».
وأضاف: «أن الكثير من الأحداث لا يعرف أنه يرتكب جريمة مآلها السجن أو العقوبة التي قد تنهي مستقبله»، موضحاً أن «من أبرز القضايا المنتشرة بين الأحداث هي قضايا العنف الجنسي لدى الأطفال وهناك من أولياء الأمور من لا يوجه أبناءه في هذا الموضوع، وكثير من هذه القضايا عرضت علينا لأطفال أبرياء لا يعرفون مآل جريمتهم».
الأسباب
1 - الاضطرابات النفسية
2 - التفكك الأسري
3 - إدمان المخدرات
4 - ضعف الرقابة
5 - ظروف «كورونا»
6 - التراخي في تطبيق القانون
7 - عدم اهتمام الأسرة بالأبناء
8 - كثرة حالات الطلاق
الحلول
1 - تعزيز الدور الرقابي للأسرة
2 - الحوار العقلاني مع الأبناء والبنات
3 - مراقبة السلوك عند استخدام الأجهزة الإلكترونية
4 - تغيير أساليب التعامل والاهتمام بالجانب النفسي
5 - توفير أماكن ترفيه ومراكز رياضية لصقل هوايات الشباب
6 - اكساب أولياء الأمور مهارات تقويم سلوكيات أبنائهم
7 - تعزيز الوازع الديني والقيم الوطنية
8 - تضمين المناهج برامج تبيّن مآلات الجريمة