No Script

رأي قلمي

وسط جدرانكم...!

تصغير
تكبير

الحرية هي فلسفة راقية، قليل من يفهمها ويترجمها بالمعنى الفلسفي، والأقل منهم من يبلورها ويسقطها على حياته الواقعية من دون أضرار تقع على غيره.

والسؤال الذي يجب أن نطرحه على كل من ينادي بالحرية، ما هي الحرية؟! هل هي حرية النفس من النفس ذاتها؟، أم حرية الفكر من الحكر والتضييق على الأفكار وإلزامها بفكر أوحد قد يكون متراجعاً متخلفاً؟، أو حرية الجسد من الظلم والاستبداد؟!.

إن الحرية دستور حياة يجب على كل فرد يعيش على أرض إقليمية يحكمها حاكم ويديرها نظام أن يجعل للحرية مواد وقوانين تمارس على أرض الواقع، حتى لا يأتي علينا يوم نهرب من الموت إلى الموت بسبب ظلم، واستبداد النفس على النفس، لأن النفس هي من تقيد وتأسر نفسها بمفاهيم ومبادئ وقناعات ما أنزل الله بها من سلطان وتصبح أسيرة لها، وما إن تستسلم النفس وتنقاد إلى تلك المضامين والمدلولات إلا ويأتيها ظلم الآخرين من بين يديها وخلفها.

ترتكز الحرية على أساس متين وشديد هو الموازنة بين استقلالية النفس من عبودية النفس، وتحرير النفس من عبودية التقليد المذموم للآخر، من منا لا يضع ميزاناً لجميع أمور حياته صغيرها وكبيرها دُقَها وجُلها؟! كيف ننسى أو نتناسى ميزان الحرية الذي وضع وأسّس بمقاييس ومعايير عالية الجودة، تستند على ثوابت وأصول جذورها صلبة قوية، لا تتأثر ببعض الحالات الشاذة المهووسة بتقليد الآخر والسير على منواله، حتى وإن كان هذا التقليد فيه تقييد لعقولهم وأنفسهم.

والحرية لن تكون حرية إلا إذا تقننت بدستور وقوانين إنسانية ترفع الظلم عن النفس للنفس، وتمنع النفس من بعض الممارسات الممنوعة والمحظورة، سواء كانت ممارسات فكرية أو سلوكية.

إن الحرية الفردية المجتمعية لا توجد فيها نزعة فردية، ومفهومها الحقيقي عند المسلمين أخذ يجذب أنظار كثير من المفكرين غير المسلمين ويبهر عقولهم، لأننا نرى الحرية التزاماً للإنسان إزاء قومه ومجتمعه، بقدر ما هي تحرر لهذا الإنسان، فنحن نرى أن الإنسان الحر مالك لنفسه، ومملوك لقومه، فلا يظن أحد منا أن الحرية وافدة إلى مجتمعاتنا العربية المسلمة من لدن الحضارة الغربية الحديثة، فهي بناء فكري شامخ في العروبة تأصل مفهومه لثمة ألف وأربعمئة عام، ونفخر بها ونناضل من أجلها فهي الحياة بأكملها، فلا تأتي اليوم قلة قليلة في المجتمع ترغب بممارسات تتعارض مع الحرية وتتعدى على حرية الآخرين، وتتغنى وتصفق لنفسها وتعتقد أن هذه الحرية المستوردة هي المفهوم الحقيقي للحرية.

باللجهة الكويتية نقول: «استريحوا ومارسوا ما ترونه مناسباً لكم في منازلكم من رياضة مشتركة وممارسة اليوغا وعزف الموسيقى وغيرها من أمور وممارسات أنتم تؤمنون بها، هنا من يتدخل أو يتعدى عليكم فنحن سنقف له بالمرصاد لطالما أنكم مارستم حريتكم وسط جدرانكم».

يقول الكواكبي رحمه الله: «إن الهرب من الموت موت، وطلب الموت حياة، وإن الخوف من التعب تعب، والإقدام على التعب راحة».

هذا هو المفهوم الفلسفي للحرية، هل فهمتم يا معشر التقليد المذموم؟!.

M.alwohaib@gmail.com

mona_alwohaib

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي