No Script

نافذة

الشعب بين مطرقة الحكومة وسندان المجلس

تصغير
تكبير

يعيش الشعب الكويتي في الأيام الحالية وسط ظروف غامضة، مترقباً مستقبلاً ضبابياً في كل الجوانب.

ففي ظل الأجواء الحالية من عدم الاستقرار السياسي على الرغم من المحاولات الحثيثة للتهدئة، إلا ان هناك من يرغب بعدم ركود الاجواء السياسية في الكويت، ومما لا يخفى عن الجميع ان ما نعيشه من تخبط على جميع المستويات يُسند إلى عدم الاستقرار السياسي، فلا بد من استقرار سياسي والجلوس إلى طاولة واحدة ذات أرضية مشتركة تربط الجميع وتُرسم فيها خطط مستقبلنا ومستقبل ابنائنا، فما نعيشه اليوم من وضع (على البركة) قد يقودنا إلى الهاوية غداً، فلا توجد خارطة طريق للمستقبل ولا إستراتيجية واضحة تتخذ على اساسها قرارات الدولة لنعرف ما لنا وما علينا.

وبعيداً عن الاستحقاقات الكبرى فإن ما يهم الناس في المقام الأول هي أساسيات المعيشة للانسان، مثل التعليم والصحة والسكن، فضلاً عن التوظيف ومحاربة الغلاء والتضخم والأمن الاجتماعي، والمتتبع لحال المواطن الكويتي خلال السنوات الماضية يجد أنه لم يحظَ بأي من هذه الضروريات، بل وبات يعاني كثيراً في سبيل توفيرها لنفسه وأسرته.

فالتعليم أصبح يتردى ويتراجع على المستويات كافة، سواء من ناحية التطور ومواكبة التقدم الجاري حول العالم، أو من جهة مستوى الاعتماد الاكاديمي والنوعي، حتى تدنى مستوى الجامعة الحكومية الوحيدة في الاعتمادات الاكاديمية، وأصبح التعليم العالي يقاد بلا رؤية، ففي الوقت الذي يصرّح فيه ديوان الخدمة المدنية عن عدم الحاجة لتخصصات معينة، نرى ان التعليم العالي يتكفل بمصاريف البعثة لهذه التخصصات التي لا يوجد لها احتياج في سوق العمل، فضلاً عن تردي مستوى التعليم الأساسي وتخلف الهيئات التعليمية عن التطور النوعي في طرق التدريس، وسوء مخرجات هذا التعليم بفروعه كافة رغم ضخامة الميزانية المخصصة للقطاع التعليمي.

أما الصحة، فحدث ولا حرج، فمنذ سنوات كانت الحجة تتلخص بضعف البنية التحتية للقطاع الصحي وما ان نهضت المشاريع وأنشئت المستشفيات والمراكز الصحية حتى دخلنا في أزمة عالمية وهي أزمة فيروس كورونا، وهنا حدثت الطامة الكبرى فلم يعد المتضررون فقط هم المرضى بل حتى الاطباء اصبحوا يعانون من سوء الادارة الصحية، وذلك بسبب القرارات الارتجالية، بجانب الخسائر الاقتصادية الكبيرة والأضرار النفسية الرهيبة، ولا تزال قائمة الأضرار تطول ولا أحد يعرف مداها وأين ستقف.

وإلى المشاريع المتوسطة والصغيرة التي انهارت بسبب قرارات غير مدروسة لمدى جدوتها، ففي الوقت الذي تدعو الحكومة لتشجيع الاقتصاد الوطني تكسر بقراراتها ظهور الشباب المبادرين.

بالإضافة الى ما سبق، فإن نسبة التضخم بأسعار المواد الاستهلاكية لم تكن لها سقف منذ سنوات، دون وضع حلول أو بدائل لعلاج هذا التضخم، فما إستراتيجية الحكومة في ظل وصول معدل التضخم في سبتمبر 2021 إلى اعلى معدل له منذ 9 سنوات بارتفاع الاسعار بنسبة 4.1 في المئة متعدين بذلك دول الخليج، وبعد كل هذا لم نجد أي تصريح رسمي بوضع حلول لهذه المشكلة، متجاهلين بهذا قيمة الدينار والكوارث التي تمر بالاقتصاد الكويتي، ومسببات ذلك تعود للاحتكار في مختلف المجالات وقتل المنافسة وغياب الرقابة من جهات الدولة.

هذا الخليط من القرارات المرتبكة ساهم بعرقلة الأمور في البلاد على الأصعدة كافة، هذا على صعيد الأمور الحياتية البسيطة، فكيف في الأمور والقرارات الصعبة والتي تحتاج الى قوانين وقرارات كبيرة وذات دقة عالية على مستوى مؤسسات البلاد.

فقد لاحظنا خلال بدايات أزمة «كورونا» ارتباك التصريحات الحكومية على أعلى المستويات بسبب نقص السيولة في الدولة التي تعتبر من الدول الثرية والتي تتميز بثروتها البترولية، وثرواتها الاستثمارية وصناديقها السيادية التي أثبتت خلال الأيام الأخيرة علو كعبها لدى الدول الاسثتمارية المتقدمة، وباتت المؤسسات الاستثمارية الكويتية تعلن الواحدة تلو الأخرى عن تحقيق عوائد استثمارية كبيرة مثل المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية والهيئة العامة للاستثمار وصناديقها السيادية التي حققت المركز الثالث على مستوى الصناديق السيادية العالمية، لكن المسؤولين المحليين كانوا يتناقضون في تصريحاتهم منذ بداية الأزمة، وبدأت السلطتان التشريعية والتنفيذية تختلفان في إصدار التصريحات، بل وصلت الأمور إلى حد إعلان الحكومة أكثر من مرة عدم قدرتها على توفير السيولة المالية لميزانية الدولة وبعد ذلك تبين عدم صدق هذه التصريحات بعدما أعلنت أرباح المؤسسات الاستثمارية للبلاد.

المتأمل لمخرجات السلطتين سواء التشريعية أو التنفيذية يجب أن ينظر لهما بكل حيادية، فكل مخرجاتهما لا ترقى لمستوى إدارة بلد مثل الكويت تمتلك جميع مقومات النهضة والتقدم، وبلد صغير يستطيع تحقيق عناصر التطور كافة بكل سهولة وأريحية، فهي تمتلك قاعدة عالمية عريضة من العلاقات الديبلوماسية، ولديها قيادة ذات نظرة ثاقبة ومتطورة وشعبها صغير، وثروتها كبيرة وبنيتها الاجتماعية والتعليمية رصينة.

ومع كل هذه المقومات في هذه الدولة فإنه عندما تتشكل حكوماتها ومجالسها، وتتعرض لازمة طارئة كأزمة مجلس 2009 أو مجلس 2012 أو أزمة كورونا حالياً، تتعثر مخرجات السلطتين في تلك الأزمة، وتصبح الحلول صعبة عليها رغم وضوح معالم حل الأزمة ويتمسك كل طرف برأيه ويدافع عنه ويصر عليه، رغم أن المجتمع متجانس ومتناسق لكن أقطاب كل جهة يرون صحة وجهة نظرهم، متجاهلين أن الأهداف واحدة والوطن واحد والمجتمع متعايش ومتجانس متمسكين بالاهداف الهامشية، ما يؤثر على أوضاع البلد ومقدراته.

لذلك، يجب أن يصبح رسم الإستراتيجيات والرؤى أكثر عمقاً وأشمل أهدافاً وأن يصبح نمط التفكير الإستراتيجي أعمق ويجب أن تكون رؤية الدولة أكثر بُعداً، وأن توضع رؤى عريضة وعميقة لاختيار المسؤولين في السلطتين حتى لا تتكرر القضايا التي تشغل البلاد والعباد بين الفينة والأخرى، وألا تفشل الحكومات والمجالس في إدارة الأزمات المختلفة والبسيطة وتعطل حال البلاد في قضايا سهلة، وتتعمق الخلافات بالمجتمع على قضايا هامشية تستطيع حلها أي حكومة تتقن العمل الحكومي أو مجلس ذي اختيار شعبي صرف، فرجال الدولة لم تخلُ منهم الكويت منذ تأسيسها فقد كانوا رجالاً بسطاء من مجتمع بسيط، لكنهم بنوا دولة حضارية شامخة ذات قوانين شكلت نموذجاً في المنطقة، رغم أنهم لم يحصلوا على التعليم الذي يحصل عليه أبناء الجيل الحالي، لكنهم تعلموا في مدارس المجتمع العربي والاسلامي البسيط.

خلاصة القول: يجب أن تُرسم إستراتيجية دولة حضارية تبدأ بدايةً بوضع رؤية عميقة لإدارة البلاد على مستوى اختيار رجال دولة في كل منصب سيادي يتولاه مسؤول، سواء مسؤول معين أو مسؤول منتخب حتى تتقدم هذه الدولة في مصاف الدول الحضارية المتقدمة، فهي نموذج في كل مكونات الدولة الطامحة للتقدم وعبور المستقبل بخطى ثابتة نحو آفاق حضارية بارزة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي