رأي قلمي

في المصنع والمسجد والسوق...!

تصغير
تكبير

ابن خلدون - رحمه الله - من علماء المسلمين القدامى الأجلاء، وهو من أسس «علم الاجتماع» وسمّاه «علم العمران البشري»، لو تأملنا في كتاباته وكتابات غيره من العلماء المسلمين، لوجدنا أنهم لا يحبذون قيام الحكومة الشمولية التي تقوم بإدارة كل المرافق، وتقديم كل الخدمات، وتتدخل في كل شيء.

وهذا ما لمسه الكثير من المسلمين عملياً في إدارة نبينا - صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإدارة الخلفاء الراشدين من بعده للمجتمع وللشأن العام.

إن الحكومة حسب رؤية علمائنا تقوم بما يعجز عنه الناس، إنها تضع السياسات والخطط العامة، وتوجه القوى الإنتاجية في مساقات تخدم العباد والبلاد، كما أنها تراقب الوضع العام، وتساعد الناس على أن يكونوا أقرب إلى الصلاح وأكفأ في أداء أعمالهم، كما أنها تفصل في النزاعات، وتأخذ على يد المجرمين، وتحمي البلد من أي عدوان داخلي أو خارجي.

إن الحكومة مثل أي عضو من أعضاء الإنسان، فساده في تضخمه، وتوسيع صلاحيات أي حكومة وإعطاؤها الفرصة للتمدد في الحياة العامة لن يحل المشكلات السائدة، بل سيجعل الأمور أسوأ حالاً. الحكومة المحدودة تعثر على القياديين والموظفين الجيدين بسهولة، كما أنها تستطيع متابعتهم ومراقبة أدائهم بيسر، والأهم من هذا هو إتاحة الفرصة والمجال لمؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات القطاع اللاربحي كي تقوم بدورها على الوجه الصحيح.

إذاً التقدم السياسي لا يقوم على زيادة الموظفين الحكوميين، وإنما على تقليصهم قدر الإمكان، فمع كثرتهم ينتشر الفساد المالي والإداري في كل اتجاه، وهذا مشاهد بوضوح اليوم في كل دول العالم؛ الدول الأكثر تقدماً لديها أعداد أقل من الموظفين، والدول الأكثر تخلفاً تعج بالموظفين من كل الدرجات وفي كل المجالات.

إلا أننا لا ننسى نقطة مهمة في تقدم الأداء الحكومي، وهي أن من الصعب حدوث تحسن على صعيد الحكومة إذا لم يواكبه تحسن على صعيد المجتمع، وذلك لأن موظفي الدولة على مختلف تدرجهم الوظيفي هم من أبناء المجتمع، كما أن المجتمع هو الذي سيمارس الرقابة على الحكومة عبر العديد من الأدوات، لذا يجب أن يكون لدينا اتحاد شعبي لا يقل عن (20٪) من المواطنين يحمل الأفكار والقيم التي تساعد على ترسيخ نهج سياسي فاعل، وإدارة رشيدة وأصيلة وفاعلة.

وما نريده هو حكومة صالحة قوية تمارس الشورى، تخضع للمساءلة. وممارسة الشورى لا تكون في مجال الحكومة فقط، وإنما في شأننا كله، فالشورى حتى تصبح تقليداً في السياسة يجب أن تصبح من تقاليدنا في التربية وتعاملنا في البيوت وفي التعليم والممارسة الإدارية في المدارس والجامعات، وفي المصنع والمسجد والسوق... الحياة الشورية تعني أن نُخضع كل هو مشترك للتداول والنقاش حتى نستولد وحدة الرأي والموقف.

من هنا، نقول إن إدارة البلد تحتاج لما رسخه نبينا - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه من بعده، ورؤية علمائنا المسلمين الأجلاء، فمن لديه الرؤى والقناعات التي تؤيد وتدعم ما رسخوه فليتصدر للإدارة، الكويت دائماً وأبداً تستحق الأجدر والأكفأ.

[email protected] mona_alwohaib

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي