No Script

ما في خاطري

أبناء «البطة السودة»

تصغير
تكبير

في فصل المدرسة حينما كنت أبلغ من العمر 13 عاماً، دخل علينا أحد المعلمين الجدد الذي بدأ بالتعريف عن نفسه، فذكر لنا اسمه واسم عائلته، حتى جاء بكشف أسماء الطلبة ليتعرف عليهم، فإذا به ينادي كل طالب باسمه والطالب يرد بعبارة «نعم» المعتادة دون أي ردة فعل من المعلم، وأثناء مناداته لأسماء الطلبة مرّ على المعلم أحد الأسماء فناداهُ والابتسامة على محياه فرد الطالب قائلاً «نعم» فرد المعلم وبكل فخر واعتزاز: «والله وستين نعم»، حيث إن هذا الطالب ينتمي للعائلة نفسها التي ينتمي لها المعلم فخصه بهذا الثناء حتى أننا شعرنا بأننا أبناء «البطة السودة»، فهو مرّ على أسمائنا دون أي تعبير أو مدح كما حصل لزميلنا، وبعد أيام قليلة لاحظنا الألفة الواضحة والتعامل الحسن بين زميلنا والمعلم رغم أنهما لا يعرفان بعضهما البعض، فاسم العائلة واللقب فقط هو من يجمعهما وكان تعامله سلبياً مع بقية الطلبة، مما جعلنا نشعر بالسوء، حتى انتهى به الأمر إلى الانتقال لإحدى المدارس الأخرى بسبب شكوى أحد الطلبة.

فرغم أننا كنا صغاراً، إلا أننا قد شممنا رائحة عنصرية تفوح بالفصل لم نعتد عليها مع بقية المعلمين، وعندما يكون هذا التصرف نابعاً من معلمك فسوف يكون تأثيره السلبي أكبر، فالمعلم الذي يحمل النفس العنصري قد يورث أفكاره المسمومة للأجيال القادمة، فلا عجب اليوم أن نرى مشاهد العنصرية تملأ (السوشال ميديا) في وقتنا الحاضر من بعض أبنائنا الطلبة في الجامعات والمعاهد، فالإنسان لا يولد عنصرياً، وهذه العقلية المعوجة تغذت على الأفكار المنحرفة في البيت والبيئة المحيطة، فلا نخجل عندما نقول إن ما نراه اليوم من مشاهد عنصرية ما هي إلا نتاج الغرس الخاطئ عند بعض الأسر التي أسست بعض المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالاعتزاز العائلي والقبلي والمذهبي، فلم يفرقوا بين الاعتزاز بالأسرة أو القبيلة أو المذهب وبين التعامل مع الآخرين بطبقية وعنصرية، وكذلك اللوم يقع على بعض المسؤولين في بعض قطاعات الدولة الذين شجعوا «الواسطة» و«المحسوبية»، فعززوا روح العنصرية والطبقية، فأصبح بعض الأفراد يسعون لإتمام أعمالهم عن طريق طلب «الفزعة» لتتم أعمالهم بيسر، فترسخت في عقولهم قناعة وهي إن (التمسك بالمجموعة هو من يجلب لك الإنجاز والنجاح).

ولمعالجة هذا الأفكار، يجب علينا أن نخاطب الجيل القادم، فأنا شخصياً «غسلت إيدي» من بعض أبناء الجيل السابق الذين تجاوز سنهم الخمسين عاماً، وتراهُ يمارس العنصرية مع الآخرين، فمن يتجاوز هذه السن صعب إقناعه وتغيير أفكاره، ولكن أملي هو بالأجيال القادمة والشباب فهم قادرون على إيقاف هذه الأفكار المعوجة ومحاربتها، وعدم ممارستها مع الأبناء، والدور مناط كذلك على الحكومة التي يجب أن تحارب كل صور التعصب والعنصرية عن طريق فتح المجال للجميع على حد سواء، ومحاربة الواسطة والمحسوبية في بعض قطاعات الدولة.

Twitter: @Alessa_815

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي